لفتني استفتاء أجراه أحد المواقع الإلكترونية الذي طرح السؤال: «هل تعتقد انّ الضرائب التي تدفعها تذهب الى المكان المناسب؟». واللافت أنّ 100% من الذين شاركوا في الاستفتاء اجابوا: لا. هذا مؤشر خطير الى انعدام الثقة بين المواطن والحكومة، وهو ما يؤسس لذهنية رافضة أي اصلاح أو محاولة اصلاح، وفي الوقت نفسه يقوم مجلس الوزراء برفض تطبيق قانون حق الوصول الى المعلومات بحجة عدم صدور المراسيم التنفيذية وعدم انشاء الهيئة، والاخطر من ذلك فقدان الصفة والمصلحة.

 

للتذكير خضنا معارك كبيرة للوصول الى قانون الحق في الوصول الى المعلومات، والذي نعتبره اساسياً في تأمين بيئة شفافة ملائمة للانتاجية، ولكن كما أقرّ القانون وبصيغته الراهنة لن يتحقق ما كنا نصبو اليه، رغم مطالباتنا المستمرة، أقرّ القانون وفيه ثغرات اساسية خطيرة تجعله عقيماً. والخطورة في اقرار قانون غير فاعل كبيرة، حيث يُوحي انّ هناك نية لإقرار قوانين لمحاربة الفساد وايهام المواطن بأنّ هناك شفافية، ولكن الواقع معاكس حيث يتحول القانون مظلةً لتغطية ممارسات أكثر فساداً. إنّ عدم وجود القانون في هذه الحالة هو افضل من وجوده بهذا الشكل.عند بدء مناقشات لجنة الادارة والعدل قانون الحق في الوصول الى المعلومات بين عامي 2012 و 2013، أصرّيت على موضوع النشر على الانترنت وليس من خلال موظف لعدم الدخول في البيروقراطية الادارية، هذا المطلب ادى الى إقرار المادة السابعة من القانون. المادة السابعة نصت بوضوح وصراحة على ضرورة النشر الحكمي على الانترنت تلقائياً وليست بحاجة الى مراسيم تنفيذية، أي أنه مع صدور القانون يجب ان تبدأ الادارات كافة بنشر المصاريف كافة بحسب المادة السابعة من القانون والتي تنص على وجوب نشر «جميع العمليات التي بموجبها يتم دفع أموال عمومية تزيد على 5 ملايين ليرة لبنانية، وذلك خلال شهر من تاريخ إتمامها أو إتمام أحد أقساطها»، على أن يتضمّن النشر قيمة عملية الصرف وكيفية الدفع والغاية منه والجهة المُستفيدة والسند القانوني الذي بموجبه جرى الصرف (مناقصة أو تنفيذ حكم قضائي أو غيره)، وهذا ما لم تلتزم ايّ إدارة حتى اليوم به. وقد عارضنا مراراً الاستثناءات في المادة السابعة عبر تحديد سقف 5 ملايين للمصاريف الواجب نشرها، كما استثناء الرواتب والاجور.

 

إنّ رد مجلس الوزراء بهذا الشكل يُثبت أننا لم ندخل ولم نفهم بعد عقلية الحق في الوصول الى المعلومات، فالمغزى الأساسي للقانون هو تحقيق الشفافية الكاملة، وجعل المواطن شريكاً حقيقياً كونه دافع الضرائب Taxpayer، وبالتالي المعلومة ملك له بالدرجة الأولى ولا يحق لأيّ جهة رسمية حجب المعلومة عنه وهو صاحب الصفة والمصلحة.

 

وفي سياق ردّ الأمانة العامة لمجلس الوزراء على طلب تقدّمت به جمعيتان للحصول على معلومات حول ملف الكهرباء، استناداً الى قانون حق الوصول الى المعلومات، جاء في كتاب مجلس الوزراء عدم إمكانية تطبيق القانون «في ظلّ غياب صدور المرسوم التطبيقي له (...) وقبل تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد». كما تذرّع بعدم وجود الصفة.

 

وهذه الأسباب غير منطقية إذ ان القانون تضمن النشر الحكمي اولاً، وبالتالي لا يحتاج الى مراسيم تنفيذية، كما انّ القانون خوّل الحكومة إمكانية إصدار مراسيم تطبيقية «عند الاقتضاء»، أي عند الحاجة، «من دون أن يكون صدور أيّ مرسوم بحال من الأحوال شرطاً لنفاذه. وهو ما أكدته هيئة التشريع والاستشارات في رأيين سابقين (441/2017 و951/2018).

 

ثانياً- انّ ربط القانون بالهيئة هو نيّة مضمرة بتعطيل القانون، كان رأيي ولا يزال انّ ادخال اي هيئة الى اي قانون هو وسيلة لتعطيله، خاصة اذا كانت الهيئة مؤلفة من القطاع العام وتعمل بنفس البيروقراطية الموجودة والعقلية ذاتها، هي مرواحة في المكان نفسه، فلا يجوز الربط بين الهيئة والقانون لأنّ القانون يجب ان يكون نافذاً ليكون هناك داع او عمل للهيئة في الدرجة الاولى.

 

ثالثاً- والاخطر هو اعتبار المواطن غير ذي صفة او مصلحة في موضوع يتعلق بصرف المال العام وموضوع الكهرباء تحديداً، هذا التوصيف لا يجوز السكوت عنه، المواطن له الصفة والمصلحة في ايّ نشاط يتضمن صرفاً للمال العام او الادارة، وهذه النقطة من غير المقبول الجدل فيها حتى الآن.

 

لقد بدأ يُدرك المواطن شيئا فشيئا ان الاطلاع والمعلومات هما الاساس في السيطرة على الفساد، وبدأنا نشهد اهتماماً جديداً في الحصول على المعلومات في لبنان والبلدان العربية التي اقرّت القانون، فمثلاً في تموز 2019 سجل مواطن أردني يدعى مؤيد المجالي، وهو موظف في وزارة العدل، طلباً لرئيس الوزراء عمر الرزاز، للحصول على ‏معلومات بخصوص 4827 دونماً من أراضي الخزينة (المال العام) تم تسجيلها باسم العاهل الأردني الملك عبد الله ‏الثاني قبل سنوات.

 

ولكننا في لبنان، ما زلنا نحتاج الى الضغط أكثر في هذا الاتجاه، فالاستفتاء في بداية المقال يعطي مؤشراً خطيراً الى انه على رغم من الثقة المفقودة تماما بين الحكومة والمواطن، لا يوجد تحرك جدي لتصحيح ذلك عبر الضغط نحو تطبيق كامل لقانون الحق في الوصول الى المعلومات، والابسط من ذلك لا يعترض احد اليوم على انّ الجريدة الرسمية مدفوعة مثلاً، وهذه معلومات ملك للمواطن ولا يحق لأحد بيعها.

 

يجب أن تتوقف المبادرات الهادفة الى الحصول على المعلومات في شتى المجالات، كما على المواطن الطلب من النواب الذين انتخبهم ان يكون هذا القانون على رأس الاهتمامات، إن لجهة تعديله وتخليصه من الشوائب العديدة وتنفيذه، فالمعرفة قوة، وهذه القوة تخول المواطن ان يكون المراقب الاساسي لعملية ادارة الدولة، كما السيطرة على الفساد أينما وُجد.