ثمة تبدّل لافت حصل في الخطاب السياسي لبعض القوى والبيئات إزاء «حزب الله» في الايام المنصرمة التي اعقبت الاحداث الاخيرة في سوريا والضاحية الجنوبية لبيروت وعلى الحدود الجنوبية. وهذا التبدّل لم يقتصر على بيئة سياسية او طائفية واحدة فقط، وانما توزع على بيئات مختلفة، ما اوحى أنّ البلاد تقف على عتبة تحالفات او تقاطعات سياسية جديدة.
 

هذا التبدّل، بل التناقض، في هذا الخطاب السياسي، بدا فاقعاً وواضحاً تحديداً ضمن البيئة المعارضة للحزب او التي تقف منه في موقع الخصومة السياسية وربما اكثر، ما دلّ الى انّه بات لدى كثير من الافرقاء حسابات سياسية جديدة في التعاطي معه أو في النظرة الى موقعه ودوره المحلي والاقليمي والدولي.


على جبهة حلفاء الحزب واصدقائه في الداخل اللبناني وعلى مستوى المنطقة، كان طبيعياً ان يكون الخطاب داعماً ومؤيّداً وخالياً من أي انتقاد. اما على جبهة الخصوم، فجاء هذا الخطاب مختلفاً تماماً. في الخارج كان انتقادياً قاسياً، وفي الداخل تفاوت في نبرته ولهجته وفي المضمون، الى درجة بدا انّ بعضاً منه تماهى الى حدٍ ما مع خطاب الحزب وموقفه نفسه. فرئيس الحكومة سعد الحريري، بموقفه المندّد بالاعتداء الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت، ومن ثم اتصالاته بوزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو ومستشار الرئيس الفرنسي ايمانويل بون وآخرين، لمنع اسرائيل من الاعتداء على لبنان إثر ردّ «حزب الله» في مستعمرة افيفيم، اعاد الى الاذهان الموقف نفسه الذي كان يتخذه والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري عند كل اعتداء او عدوان اسرائيلي على لبنان طوال فترة وجوده في السلطة والى حين استشهاده. لكنه بعد ايام قال لمحطة CNBC انّ سلاح «حزب الله» هو «مشكلة اقليمية وليست لبنانية». وعاد في هذا الموقف الى موقع الـ«بين بين» او الى موقع «ربط النزاع» مع الحزب.

 

 

في بيئة «المستقبل» وخارجها يقول كثيرون انّ الحريري وقف الى جانب «حزب الله» في الاحداث الاخيرة، الى درجة انه واجه انتقاد وزير «القوات اللبنانية» ريشار قيومجيان لموقف «الحزب» قائلاً له: «اسمحلنا فيها، اسرائيل بدأت بالاعتداء».

 

بيد انّ رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة لم يجد غضاضة، وكعادته، في مهاجمة «الحزب» واتهامه بـ«تعطيل الدولة وتعريض لبنان للخطر»، معتبراً انّ ما حصل هو «توريط خطير للدولة اللبنانية واللبنانيين في امور ليست الدولة مسؤولة عنها». في حين أنّ وزير الداخلية السابق النائب نهاد المشنوق خرج بموقف مما جرى يقع في الوسط بين موقفي الحريري والسنيورة، فهو لم يهاجم «حزب الله» وفي الوقت نفسه لم يؤيّده، فاكتفى باعتبار مقاتلي «الحزب» اللذين سقطا في الهجوم الاسرائيلي على الاراضي السورية بأنّهما «شهيدان» مؤكّداً «وجود نوايا عدوانية اسرائيلية مبيتة»، ومعتبراً انّ الاعتداء الاسرائيلي على الضاحية بالطائرتين المسيّرتين هو اعتداء على كل لبنان، لأنّ سماء الضاحية هو جزء من سماء بيروت ولبنان. إلّا انّه في الوقت نفسه دعا الى «طرح الاستراتيجية الدفاعية قبل ان نتجّه نحو المجهول» معتبراً انّ «لا ازدهار ولا نمو ولا نفط ولا غاز قبل إقرار هذه الاستراتيجية الدفاعية».

 

بعض السياسيين وجد انّ كلام المشنوق عن الاستراتيجية الدفاعية تلاقى مع كلام رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قبل ايام، من «انّ سلاح «حزب الله» وضع على الطاولة الاقليمية»، خصوصاً في ظل الصمت الروسي عن الاعتداءات الاسرائيلية على الحزب في سوريا.

 

ويطرح هؤلاء السياسيون سؤالاً عمّا تريده الولايات المتحدة الاميركية من «حزب الله»، الذي تصنّفه «منظمة ارهابية»، في ضوء معلومات يكشف عنها ديبلوماسيون عرب واجانب في لبنان وتفيد، انّ واشنطن ستتخذ قريباً عقوبات جديدة «صارمة جداً» ضد الحزب وبيئته، وضد حلفاء له قد تكون حركة «امل» وآخرون من بينهم، فضلاً عن حلفاء من خارج البيئة الشيعية. ما يشير الى انّ طرح جعجع والمشنوق البحث في سلاح «الحزب» إنما ينطلق من خلفيات ومعطيات تؤكّد انّ الاميركيين وحلفاءهم عاودوا إلى وضع سلاح الحزب على طاولة البحث، بحيث قد لا يكون الهدف او المطلوب نزع هذا السلاح وفق الادبيات التي سادت بين عامي 2005 و2010، وانما يكون الهدف الدفع في اتجاه مناقشة الاستراتيجية الدفاعية او البدء بالتحضير لهذه الاستراتيجية.


وحسب معلومات بعض السياسيين، فإنّ ربط المشنوق مصير النفط والغاز بإقرار الاستراتيجية الدفاعية وتحديد مصير سلاح «الحزب» من ضمنها، يعكس اجواء عربية باتت ترى في هذا الحزب «عبئاً عربياً»، وهو ما يلتقي مع كلام الحريري عن انّ السلاح بات «مشكلة اقليمية وليس لبنانية».

 

وتتحدث معلومات، عن انّ جهات عربية تنسق مع الادارة الاميركية لهدف شن حملة تهدف الى «إضعاف» دور الحزب ونفوذه قبل التوصل الى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان واسرائيل، تعمل واشنطن عليه عبر ممثلها ديفيد شينكر، الذي سيزور بيروت قريباً، بعدما تسلًم هذه المهمة من سلفه مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد ساترفيلد. ويتردّد في هذا السياق ايضاً، انّ الدول العربية والاوروبية التي شاركت في مؤتمر «سيدر»، قد تربط دفع الاموال التي تعهدت بها لمساعدة لبنان بحصول هذا الترسيم الحدودي البحري والبري بينه وبين اسرائيل، وكذلك قد تربطها بضمانات لعدم حصول نشوب حرب في لبنان، من شأنها إذا حصلت ان تجعل تلك الاموال هباء منثوراً.