تنظر المراجع الديبلوماسية بكثير من الثقة الممزوجة بالإستخفاف الى القول إنّ القرار 1701 قد سقط أو أنه بات من التاريخ. فكل المواقف الدولية رغم تناحرها على كل الساحات وتقاسمها السيطرة عليها تُجمع على أنّ هذا القرار صامد وأيّ حديث عن البديل غامض وخطير. فما قدّمه القرار من استقرار لا يمكن استبدالُه بأيّ إجراء آخر. وعليه ما الدافع الى هذه القراءة؟
 

لم تمرّ العبارات التي استخدمها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في ما يشبه النعي للقرار 1701 مرور الكرام على المستويات السياسية اللبنانية والديبلوماسية المحلية والدولية. فالحديث عن مصير مثل هذا القرار بعد 13 عاماً على صدوره وتطبيقه ليس مسألة عابرة. ولن يكون مصيره باعتراف جميع المعنيين في الداخل والخارج نتيجة إطلاق موقف في لحظة انفعال وغضب تلت مواجهة عسكرية محدودة في توقيتها وشكلها ومضمونها وفي ما انتهت اليه كما حصل على الحدود الجنوبية اللبنانية.

 

فالرعاية الدولية للقرار ليست «ابنة ساعتها»، وليس من السهل التلاعب بقواعد الإشتباك التي أرساها القرار 1701 على اكثر من مستوى سياسي وامني اقليمي ودولي. وجاء التمديد الأخير للقوات الدولية المعزّزة العاملة في الجنوب «اليونيفيل» لينهي كل أشكال الجدل حول امكان إجراء أيّ تعديل. فرغم الضغوط الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية من اجل تعديل قواعد الإشتباك، وتلك اللبنانية التي أرادت الرعاية الأُممية لعملية ترسيم الحدود البرية والبحرية بحضور «المسهّل» الأميركي، لم يتمكن أيّ من الطرفين من إجراء ايّ تعديل على القرار، فجاء محافظاً على كل ما قال به منذ صدوره، متجاهلاً المطالب المختلفة ولم يمسّ ولايتها وعديدها ودورها وحجم تمويلها.

 

على هذه القاعدة بنيت القراءة الديبلوماسية والسياسية لرفض القول او الإعتراف بأنّ القرار 1701 بات في حكم المعدّل. ولذلك لن تغيّر قراءتا إسرائيل و«حزب الله» في آلية القرار ومندرجاته. فالتاريخ يقول إنّ إسرائيل لا تريد أصلاً أيّ دور للأمم المتحدة في جنوب لبنان قبل صدور هذا القرار وفيه وبعده. وهو أمر ثابت منذ ما قبل صدور القرار 425 عام 1978. ولم تعترف تل ابيب يوماً بالقوات الدولية، ولا تسمح – لمَن لا يدري – بانتشارها على اراضيها.

 

وهو امر يطبّق على طول الحدود المشتركة بين سوريا ولبنان من جهة، وفلسطين المحتلة من جهة أخرى. فتل ابيب لم تسمح بمقرّ دائم او موقت للقوات الدولية على اراضيها لا بالنسبة الى «اليونيفيل» ولا لمراقبي الهدنة المنتشرين على حدود الجولان السوري المحتل «الأوندوف». فالأولى تنتشر على الأراضي اللبنانية والثانية في المنطقة العازلة التي أُنشئت في أعقاب وقف النار بعد حرب عام 1973 التي استعادت فيها سوريا القنيطرة وجزءاً من اراضي الجولان.

 


اما بالنسبة الى لبنان فالأمر مغاير تماماً، فلبنان يعتبر على مرّ السنوات التي رافقت انتشار القوات الدولية في الجنوب اللبناني منذ اكثر من خمسة عقود من الزمن، أنها الضمانة القوية لمنع أيّ اعتداء على اراضيه دون ثمن رغم الإجتياحات الإسرائيلية المتكررة لمناطق انتشارها والأراضي اللبنانية منذ عام 1982 الى اليوم.

 

وعليه، يتفق زوار موسكو وواشنطن وباريس وغيرها من العواصم الكبرى على قوة الضمانات الدولية التي تحمي القرار 1701 وتصرّ على تنفيذ كامل بنوده مهما طال الزمن. ولذلك، فإنّ إجماعها لا يكشف سرّاً، فهي جميعها متمسّكة بكل مقتضياته وهي تنتظر التقارير النصف سنوية التي يضعها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان منذ صدوره عام 2006. ورغم ما تحويه من اشارات واضحة لعشرات الخروق البرّية والبحرية والجوّية الإسرائيلية للأراضي اللبنانية والمخالفات المرتكبة على الأراضي اللبنانية التي تعيق مهام هذه القوات في بعض المناطق اللبنانية، فإنها ما زالت متمسّكة بتنفيذه وترفض الإنتقال، بما يقول به، من وقف العمليات العسكرية الى مرحلة وقف النار قبل تطبيق كل مندرجاته.

 

والى ذلك فقد ضمنت هذه القوات قيام دورة اقتصادية كبيرة في الجنوب. فأهل المنطقة يدركون اهميتها بالنظر الى حجم العمالة اللبنانية في صفوفها وما توفره من حركة اقتصادية ومالية في اماكن انتشارها، عدا عن المشاريع الإنمائية والتعليمية والثقافية التي تقوم بها وترعاها، وصولاً الى حجم الزيجات بين أفرادها من مختلف الدول والعائلات اللبنانية الجنوبية.

 

وبناءً على ما تقدّم، تعترف المراجع الديبلوماسية أنّ الإصرار على تثبيت دور هذه القوات وحمايتها وضمان تطبيق القرار 1701 سيكون مدارَ بحث جدي في موسكو يوم الإثنين المقبل في اللقاء المرتقب (2+2) بين وزيرَي الدفاع والخارجية الفرنسيَّين ونظيريهما الروسيَّين، فعيون موسكو مفتوحة على الوضع في الجنوب، وفرنسا من اكبر الدول المشاركة في «اليونيفيل». ولا يغفل الروس انّ هذا الأمر سيكون مدار بحث في موسكو ايضاً بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الذي يقصدها منتصف الأسبوع المقبل لمناقشة آخر التطورات في جنوب لبنان والمنطقة.

 

وعليه لم يعد من بدّ من الإشارة الى أنّ القرار 1701 لا يُمسّ، وأيّ بحث في بديل منه يعني الفوضى التي تقود الى ما هو غامض وخطير. ولذلك فإنّ مجرد اعلان «حزب الله» نقلَ عملياته من أراض لبنانية محتلة في مزارع شبعا الى أراض فلسطينية محتلة، كما حصل في محيط قاعدة «افيميم»، رداً على العمليات الأخيرة في دمشق والضاحية الجنوبية، لن يغيّر في قواعد الإشتباك، فالحدث عابر، وإن تكرّر لن تكون له المفاعيل المؤدّية الى تغيير قواعد الإشتباك وفق القرار الدولي نفسه وكل ما يرافق مهمة الأمم المتحدة في الجنوب.