نشرت مجلة "إيكونوميست" ملفا خاصا عن الحرب الأهلية السورية، حيث خصصت صفحة الغلاف لها، ووضعت صورة الأسد على حطام سوريا، تحت عنوان "انتصار الأسد الفارغ".
 
وتبدأ المجلة تقريرها بالقول: "بعد ثمانية أعوام من الحرب الوحشية لا تزال الصور، فقرب قرية حاس جثة طفل مقطوع الرأس بين أنقاض بيت تعرض للقصف، وفي بلدة أريحا، بنت صغيرة معلقة في بناية من عدة طوابق فوق حطام بناية أخرى، فيما ينظر والدها برعب، وهناك دخان وغبار ودم وحديد مدمر وإسمنت مهشم، والنظرات الخالية من التعبير للناس الذين كان عليهم تحمل العنف على مدى عقد تقريبا". 
 
 
ويشير التقرير،  إلى أن هذه المشاهد هي بداية حملة مستعصية على إدلب في شمال غرب سوريا، التي تحتوي على قرى وبلدات عدة والمدينة التي سميت المحافظة باسمها، وتقع بين مدينة حلب ومحافظة اللاذقية على الساحل، وهي آخر معقل في يد المعارضين لنظام بشار الأسد. 
 
 
وتفيد المجلة بأن المحافظة تعرضت طوال الصيف لقصف الطيران الروسي والسوري، الذي استهدف المستشفيات والمدارس والبيوت والمدارس والمخابز، مشيرة إلى أن الأمم المتحدة حاولت حماية العيادات الطبية، من خلال التشارك في مواقعها مع الطيران الروسي، إلا أن الأطباء توقفوا عن المشاركة في المواقع، بعدما اكتشفوا أن قوائمهم لا فائدة منها ولا تمنع القصف. 
 
 
ويلفت التقرير إلى أن الجيش التابع لنظام بشار الأسد سيطر على بلدة خان شيخون، التي كانت مركز هجمات بالغاز الكيماوي عام 2017، وهي أكبر البلدات في جنوب المحافظة، ولهذا ستكون قاعدة تقدم للجيش ليتحرك إلى الشمال، ويخوض معركة مع ما تبقى من المعارضة. 
 
 
وتقول المجلة إنه كانت هناك محاولات يائسة لوقف الهجوم، وأعلن الروس وقفا مؤقتا لإطلاق النار "لن يدوم"؛ لأن "رئيس النظام السوري بشار الأسد، المنتقم دائما، تعهد باستعادة كل جزء من الأرض التي سيطرت عليها المعارضة، ولا يستطيع معارضو الديكتاتور السوري عمل شيء لمقاومته، في الوقت الذي لا يقوم فيه حلفاؤه، أو أنهم لا يريدون، بضبطه". 
 
 
ويجد التقرير أن "نهاية إدلب ستكون علامة على نهاية الحرب، أو على الأقل القتال، لكنها لن تنهي الضرر، وتهدد بموجة خروج جديدة من اللاجئين إلى تركيا، حيث تجمع مئات الآلاف من النازحين السوريين الجدد على الحدود أو أبعد، وسيجد الأسد نفسه يسيطر على بلد مدمر خال من السكان، يحكمه من خلال الخوف، ويكون أسيرا لحلفاء يتنافسون فيما بينهم على تقاسم الغنائم، وستظل سوريا تعاني من عدم الاستقرار لسنوات قادمة وربما لعقود".
 
 
وتؤكد المجلة أن "الأسد تحدث عن معركة إدلب ورغب في شنها منذ فترة طويلة، إلا أنه حتى هذا الصيف لم يكن وضعه يسمح بشنها، فجيشه قد نضب من جنوده بسبب حرب استمرت ثماني سنوات، ولم تكن إيران راغبة في المشاركة في هذه المعركة؛ لأنها رأت في إدلب هامشية لمصالحها وغير مهمة، وعلاوة على هذا فإنه كان مقيدا باتفاق وقعته روسيا وتركيا عام 2018، أو ما عرف باتفاق سوتشي، الذي اشترط قيام تركيا بمراقبة منطقة عازلة من 25 كيلومترا، ولا يسمح أيضا لهيئة تحرير الشام بالاحتفاظ فيها بمقاتلين أو أسلحة ثقيلة".
 
 
ويستدرك التقرير بأن "الرئيس العنيد لم يقبل أبدا فكرة بقاء منطقة في يد المعارضة على طرف حكمه، فيما بالغت تركيا في قدرتها على السيطرة على جماعات المعارضة، مثل هيئة تحرير الشام، وخرقت المعارضة والنظام الاتفاق، وتبادل الطرفان القذائف، ولم يكن أحد لديه فكرة عن كيفية تحويل اتفاق وقف إطلاق مؤقت لدائم. ولهذا لم يكن اتفاق سوتشي إلا لعبة شراء وقت".
 
 
وتقول المجلة: "في هذا الصيف بدا النظام جاهزا، ولم يعد الاتفاق ضروريا، خاصة بعدما وضع الإيرانيون والروس ثقلهم خلف الأسد، ولم تعد 12 نقطة مراقبة كان الجيش التركي يستخدمها لمراقبة وقف إطلاق النار مهمة، وتمت محاصرة نقطة مورك جنوب خان شيخون، ومع أن الجنود الأتراك لم يتعرضوا لأذى، إلا أن النقاط الأخرى تعرضت لغارات جوية فيما ضربت قافلة تركية، وحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنقاذ سوتشي، وسافر إلى روسيا في 27 آب/ أغسطس لحث نظيره فلاديمير بوتين على ضبط الأسد، إلا أنه عاد خالي الوفاض مع أن بوتين تناول معه المثلجات أمام الصحفيين". 
 
 
ويذهب التقرير إلى أنه "طالما لم تبد تركيا رغبة في احتلال إدلب، كما فعلت في أجزاء من حلب عام 2016، فإنها لن تستطيع وقف هجوم النظام عليها، وتتحدث روسيا عن إنشاء منطقة عازلة جديدة على الحدود، وكما أن 3 ملايين شخص في إدلب يمكن حشرهم في مساحة لا تزيد على عدة كيلومترات." 
 
 
وتنوه المجلة إلى أن "أكثر من 400 ألف شخص من هؤلاء الأشخاص هربوا حتى الآن، حيث خيم الناس في أي مكان وجدوه وتحت أشجار الزيتون، وسيفر المدنيون والمقاتلون إلى الخارج في حال تقدم النظام، وسيكون هذا الهروب هو المنفى الثاني، وزاد عدد سكان إدلب خلال السنوات بعد اتفاقيات (المصالحة) بين النظام والمعارضة، التي سمحت لمن رغب بالخروج إلى مناطق أخرى تحت سيطرة المعارضة مثل إدلب". 
 
 
ويذكر التقرير أن "أكثر نصف السكان البالغ عددهم قبل الحرب 21 مليون نسمة فروا ونزحوا، إما في داخل وطنهم أو إلى الخارج، وقد يكون هذا عرضا جانبيا للحرب، إلا أنه نتيجة لسياسة النظام التخلص من المعارضة داخل مناطقه، ولم يعد للكثيرين منهم بيوت يعودون إليها، واستخدم النظام القوانين الجديدة للسيطرة عليها وحيازتها، فمشروع مثل (ماروتا سيتي) في الناحية الغربية من دمشق يهدف لبناء مجمع سكني جديد على أنقاض البيوت المهدمة، الذي سيوفر سكنا للموالين للنظام فيه". 
 
 
وتبين المجلة أنه "في مناطق أخرى لا يستطيع النظام إعادة إعمار شيء، فالدخل القومي العام هو ثلث ما كان عليه قبل الحرب، وتبدو فنزويلا بلدا مزدهرا بالمقارنة، وانخفضت قيمة الليرة السورية أمام الدولار إلى أدنى مستوياتها، ولم تعد هناك صناعة مثل النسيج والمواد الاستهلاكية، وصادرات سوريا كلها من الحبوب والمكسرات والتفاح، ويعاني السكان من نقص الخدمات الأساسية، وانقطاع مستمر للتيار الكهربائي". 
 
 
ويشير التقرير إلى أنه "مع قرب نهاية الحرب فإن الحكومات الغربية بدأت في مناقشة إمكانية الاستثمار في عميلة الإعمار، ومن المحتمل ألا تساعد أمريكا، التي لا يحب رئيسها إنفاق أموال في الخارج، فيما يجد نواب الحزبين في الكونغرس فكرة مساعدة الأسد، بغيضة، أما الاتحاد الأوروبي فيشترط الاستثمار في عملية إصلاح سياسي، ولا يوافق أعضاء الاتحاد كلهم على هذه الفكرة، وتحاول بعض الدول الأوروبية تبرير التحرك سريعا بمواقف إنسانية، وتقول: (هل تمنح أحدا زجاجة ماء أو تبني أنبوب مياه)، فيما يقول آخرون إن الاستثمار قد يقنع الأسد بالمشاركة في السلطة، ويقول أحد مسؤولي السياسة الخارجية في بروكسل: (هناك فرصة حقيقية للحصول على نفوذ حول نتيجته)، مع أنه تعلل بالأماني". 
 
 
وتلفت المجلة إلى أن "هناك من يقدم حلولا صادقة، إن لم تكن لخدمة الذات، ويقولون إن إعمار البلاد سيشجع اللاجئين على العودة، خاصة من أوروبا التي يعيش فيها السوريون حياة أفضل من حياة مواطنيهم في لبنان والأردن، لكن الأمر لا يتعلق بالمطالب المادية، فأظهرت دراسة مسحية أجرتها الأمم المتحدة في شباط/ فبراير بين المقيمين في مخيم الركبان على الحدود السورية الأردنية، أن 80% منهم يريدون العودة إلى بلداتهم وقراهم المحطمة إلا أنهم خائفون، وقالوا إنهم لن يجدوا بيوتهم أو قد يعتقلهم النظام أو يرسلهم إلى الجيش". 
 
 
ويورد التقرير نقلا عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، قوله إن ألفي شخص من العائدين اعتقلوا خلال العامين الماضيين، فيما قالت منظمة أخرى إن نسبة 75% من العائدين تعرضوا للتحقيق أو الاعتقال أو أرسلوا إلى الجيش. 
 
 
وتقول المجلة: "ربما بحثت سوريا عن دول أخرى مثل الصين التي لا تهتم بحقوق الإنسان، إلا أن الوضع السوري لا يحفزها على تحقيق الأرباح من وسط الحطام، وبالنسبة لحليفتي النظام روسيا وإيران، فهما تعانيان من آثار العقوبات الأمريكية والأوروبية، ولا تستطيعان الدخول في مناقصات إعمار تقدر قيمتها بـ250- 400 مليار دولار أمريكي".
 
 
ويجد التقرير أن "هناك مشكلة للمساهمة في الإعمار نابعة من تحلل السلطة المركزية في البلاد، وظهور إقطاعيات اقتصادية تعاونت مع روسيا وإيران، ففي ظل غياب الحكومة التي كانت تتحكم في كل شيء من الصحة إلى الخبز، ظهر رجال أعمال ومحتالون ليملؤوا الفراغ والتربح من الوضع، وكلهم يقسمون الولاء للأسد، إلا أن لدى كل واحد منهم مصلحته". 
 
 
وتنوه المجلة إلى أن "هناك مخاوف من ظهور المليشيات وتأثيرها على سلطة الأسد، لدرجة أن وزير الدفاع حاول الحد من قوات النمر التي يقودها سهيل الحسين المقرب من روسيا، ولدى هذه القوات سجل في الوحشية، وارتكبت مجازر ضد المدنيين، وتم دمج القوات في الجيش، ومن غير المعلوم إن كان هذا تغييرا حقيقيا أم تجميليا". 
 
 
ويشير التقرير إلى رجل الأعمال وابن خال الأسد، رامي مخلوف، الذي يدير أكبر شركة اتصالات في سوريا "سيرياتل"، ويدير عددا من الشركات الأخرى، ويعد من داعمي قوات النمر، حيث تم التحقيق معه وعدد من رجال الأعمال، كما جاء في بعض التقارير، وتمت مداهمة مكاتبهم وتجميد حساباتهم، فيما حاول الموالون للنظام تبرير هذا التحرك على أنه حملة مكافحة الفساد، مع أن الفساد مستشر في البلاد، لافتا إلى أن صورا لمحمد مخلوف، نجل رامي، أمام فيلا فارهة وسيارات رياضية في دبي، أثارت ضجة على منابر التواصل.
 
 
وترى المجلة أن "الحديث عن مكافحة الأسد للفساد كمن يتحدث عن تصرف دونالد ترامب بطريقة حضارية، وخلف ملاحقة رجال الأعمال، ومنهم مخلوف، مطالب بوتين للأسد بدفع فاتورة الحرب، فالأمر ليس مصادرة، لكنه انتقام من الأغنياء وإجبارهم على توفير المال، ومن المفارقة أن نظام الأسد يصور نفسه على أنه مقاوم ضد الإمبريالية، مع أنه في عهدة روسيا وإيران".
 
 
ويذهب التقرير إلى أن "الحرب في سوريا قامت على أسس خاطئة منذ البداية، فقد صور الأسد المعارضة بالإرهاب، فيما ضلل الغرب المعارضة بأنه سيقدم الدعم لها، وتظاهرت تركيا بأنها لا ترى عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب، ولا يزال الوهم مستمرا حتى اليوم، من خلال اتفاقيات روسية وتركية لحماية إدلب، وظن الغرب أن الاستثمار في الإعمار يعني نفوذا على الأسد، ولا يمكن أن يؤدي أي مبلغ مالي لاستخراج إصلاح ديمقراطي من ديكتاتور يداه ملطختان بالدماء، وحرق بلده، واستخدم الغاز ضد شعبه ليظل في السلطة، ولن يقتنع اللاجئون بالعودة إلى سوريا".
 
 
وتعتقد المجلة أن "البحث عن نهاية سعيدة متأخر؛ لأن السوريين الذين شاركوا في الثورة -مقاتلين وناشطين وأمثالهم- اكتشفوا هذا الأمر، فهم موزعون في المنفى، ونسوا على ما يبدو، فهناك مشكلة البحث عن وظيفة وتعلم اللغة وإعادة بناء الحياة، وهم يشكون بأن تنتهي (الحرب)، فالانتهاكات والفساد اللذان تسببا بثورة عام 2011 أصبحا أكثر سوءا، والنظام بات معزولا ومفلسا وفارغا". 
 
 
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالإشارة إلى قول ناشط سابق: "حكم الأسد دولة بوليسية.. يبدو الآن مثل سجين".