نشر موقع مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للكاتب سلوم أندرسون، الذي قابل عددا من مقاتلي حزب الله في سهل البقاع، يقول فيه إن حزب الله يجهز نفسه للحرب المقبلة مع إسرائيل.
 
ويشير التقرير إلى أن أندرسون تحدث مع أحد مقاتلي الحزب الذين يعيشون قرب القاعدة العسكرية في الهرمل، وقال له: "هل ترى تلك الجبال؟ كلها في هذه المنطقة مليئة بالصواريخ، وهي قيد الإعداد، وفي كل يوم، وسنعرضها وتلقينا تعليمات بألا ننتظر الأوامر، وفي أي دقيقة وأي رصاصة فلن ننتظر".
 
ويفيد أندرسون بأن هلال يعمل مشغلا للصواريخ، وهو واحد من مقاتلي حزب الله في سهل البقاع الشرقي ممن تحدثت معهم "فورين بوليسي"، وأخبروا مراسلها في رحلة إلى المنطقة بأنهم يحضرون لاحتمال اندلاع أول حرب كبرى مع إسرائيل منذ 13 عاما.
 
وتلفت المجلة إلى أن هذا الأمر يأتي بعد قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توجيه ضربات لحزب الله في لبنان، ففي 25 آب/ أغسطس، وبعد يومين من قتل عنصرين للحزب جراء غارة جوية في سوريا، ضربت ما يطلق عليها "درون قاتلة" معقل الحزب في الضاحية الجنوبية، وفي يوم الثلاثاء اتهمت إسرائيل في بيان تضمن صورا، الحزب بإقامة مصانع للصواريخ الدقيقة في قرية قريبة من بيت المقاتل هلال.  
 
وينوه التقرير إلى أنه قبل استهداف لبنان، فإن إسرائيل قتلت قائد مجموعة شيعية تدعمها إيران في العراق، ثم ضربت قاعدة تستخدمها جماعة فلسطينية متحالفة مع حزب الله في سهل البقاع الشرقي، مشيرا إلى أن الهجمات الرباعية تكشف عن حسابات إسرائيلية جديدة في حرب الظل الطويلة التي تخوضها مع إيران والقوى المؤيدة لها في الشرق الأوسط. 
 
وينقل الكاتب عن مدير مشروع التهديدات العابرة للحدود في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، سيث جونز، قوله معلقا على غارات إسرائيل بأنها "تمثل جزءا من غارات تصعيدية تقوم بها إسرائيل ضد أهداف ونشاطات (إيرانية) في كل من العراق وسوريا، ومن الواضح في لبنان"، وفي يوم الأحد رد حزب الله بضرب عربة إسرائيلية، زعم فيها أنه قتل جنودا إسرائيليين، وهو ما نفته إسرائيل، ورغم ما يبدو من توقف مؤقت في الغارات، إلا أن تقلبات الحظ هي التي ستحدد فيما إذا كان التصعيد سيستمر أم لا. 
 
 
وتورد المجلة نقلا عن مدير المشروع في سوريا ولبنان والعراق في مجموعة الأزمات الدولية، هايكو ويمين، قوله إن العودة للوضع القائم هي الخيار الأسلم، مشيرا إلى أن هذا لا يمنع من سوء تقدير يرتكبه طرف من أطراف النزاع، وأضاف ويمين: "في لعبة الدجاج هذه من يرمش أولا هو من يخسر.. لو رمشت فيمكن إصلاح الوضع، لكنك لو كررت الأمر فهذا يعني أنك ستخسر، وبخلاف من لا يرمش فإن هذا يعني أنه لا يستطيع تجنب النزاع ولا يمكنه السيطرة على الوضع". 
 
ويجد التقرير أن هذا هو السيناريو ذاته بالضبط الذي تحدث عنه مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق عاموس يالدين، الذي قد يقود إلى نزاع أوسع، وقال يالدين: "الحرب المقبلة ستكون مدمرة للطرفين، ولهذا يحاول كل منهما تجنبها.. حتى دون التخطيط لحرب شاملة فقد سنجد أنفسنا هناك". 
 
 
ويقول أندرسون إنه حتى هذه اللحظة فإن نقطة القوة لحزب الله نبعت من قتاله إلى جانب قوات نظام بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية، لافتا إلى أنه مع تراجع وتيرة هذه الحرب فإن مقاتلي الحزب يقولون إنهم أكثر استعدادا لمواجهة الأعمال العدائية من إسرائيل حتى لو حدثت عن طريق الخطأ. 
 
وتنقل الصحيفة عن هلال، قوله: "نحن في حالة حرب مستمرة.. نحن في حالة حرب منذ عام 2006، فمنذ ذلك الوقت نحن نحضر وهم يحضرون". 
 
ويشير التقرير إلى أن حضور الحزب في البقاع واضح وكبير، فأعلامه الصفراء في كل مكان، إلى جانب صور الأمين العام له المبتسم، حسن نصر الله، لافتا إلى أن الحزب يحتفظ في هذه المنطقة من لبنان بقدراته العسكرية المتقدمة كلها، وترسانته المذهلة من الصواريخ، متوسطة وبعيدة المدى، وتقدر كميات الصواريخ التي يملكها الحزب بما بين 40 ألفا إلى 150 ألفا، وهي قدرات تتفوق على حجم الصواريخ التي تملكها دول في المنطقة. 
 
ويبين الكاتب أن هذا هو السبب الذي جعل الحزب يتطور من مليشيا شيعية خرجت بعد اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، إلى أكبر لاعب غير دولة في المنطقة، مشيرا إلى أن الحزب استطاع من خلال القوة العسكرية والذكاء السياسي تأمين دور مهم في الحكومة اللبنانية، فبات يؤثر على السياسة المحلية للبلاد. 
 
وتستدرك المجلة بأن السياسة قد تصبح أمرا ثانويا في وجه المخاوف من عودة الحرب التي توقفت عام 2006، التي قتل فيها ما يقرب من 1300 لبناني، و150 إسرائيليا، مشيرة إلى أن هذه الحرب لا تعد نصرا لإسرائيل، فيما ظل الحزب يلوح بالنصر ويبني ترسانته العسكرية. 
 
ويفيد التقرير بأنه بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا قبل ثمانية أعوام، التي دخل فيها الحزب، فإن أسلحته كلها أصبحت تنقل عبر الأراضي السورية إلى لبنان، ولهذا السبب بدأت إسرائيل سلسلة من الغارات على مخازن وقوافل أسلحة لمنع وصولها إلى الحزب. 
 
ويقول أندرسون: "يبدو أن نتنياهو غير استراتيجيته من المواجهة الجوية في سوريا إلى ضرب الحزب في معقله اللبناني، وقال نتنياهو، الذي يشغل منصب وزير الدفاع، إنه سينتظر ردة فعل حزب الله بعد غارة الأحد وبعدها سيتحرك، وفي الوقت الذي أعلن فيه نصر الله عن نهاية الاشتعال، إلا أنه أعلن عن مرحلة جديدة سمح فيها لمقاتليه باستهداف الطائرات الإسرائيلية المسيرة، فيما ساد جو من الهدوء حتى يوم الثلاثاء، الذي أعلنت فيه إسرائيل عن إنتاج حزب الله لصواريخ دقيقة، ما أثار المخاوف من مواجهة جديدة". 
 
 
وتورد المجلة نقلا عن ستة مصادر في الحزب، قولها إنه خلافا لما قالته الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بأن الهجوم على الضاحية الجنوبية استهدف مصنعا للصواريخ، فإنه كان محاولة إسرائيلية فاشلة لاغتيال واحد من قادة الحزب الكبار. 
 
 
وينقل التقرير عن علي، وهو أحد قادة وحدة للحزب في سوريا، وصفه قائلا: "كان هناك هدفان للغارات بالدرون، الأول هو جس النبض، لكن إسرائيل كانت تحاول اغتيال شخص مهم، وأعلم هذا"، واستبعد التقارير الإسرائيلية التي تحدثت عن استهداف مصنع للصواريخ الدقيقة، وقال: "قد نشاهد (توم أند جيري) ونقول إنها قصة حقيقية.. فنحن تحت النار، يضربنا اليهود في البيت، وفي الضاحية والآن سنرد"، وأضاف: "نحب الشهادة في سبيل الله". 
 
ويلفت الكاتب إلى أن مسؤولا محليا للحزب أكد أن كلام إسرائيل كذب، وأن الهدف الحقيقي للغارة كان "محاولة استهداف لقاء على مستوى عال، ولو قتل (الهدف) لبدأت الحرب مباشرة". 
 
وتورد المجلة نقلا عن الزميلة الزائرة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، حنين غدار، قولها إن إسرائيل أظهرت قلقا من تطوير الحزب صواريخ دقيقة، والغارة تتوافق مع ادعاء الاستهداف، وأضافت غدار: "يقوم حزب الله بنقل الكثير من معامل الصواريخ الدقيقة إلى لبنان.. لا تريد إسرائيل حربا مع الحزب في لبنان، إلا أن الحزب يواصل نقل أجهزة (جي بي أس) إلى لبنان والعمل في هذه المعامل، ووسعت إسرائيل هذه الهجمات من سوريا إلى العراق، وقاموا بهذا الهجوم الوحيد في لبنان، واستهدفوا شاحنة كانت تحمل الكثير من هذه الأجهزة". 
 
وينقل التقرير عن رندة سليم من معهد الشرق الأوسط، قولها إن هجوم إسرائيل على الضاحية مهما كان هدفه هو "خرق واضح لقواعد الاشتباك.. بالنسبة لحزب الله فإن إسرائيل تفلت من الكثير مما تعمله"، وأضافت: "في مرحلة ما سيقررون الرد، وأعتقد أنه لو لم يزيدوا من الثمن بسبب أعمالها فلن تتوقف إسرائيل ولن ترتدع عن توسيع هجماتها.. حتى الآن، يفكر حزب الله في منافع الانتقام وثمنه". 
 
ويرى أندرسون أن السياسة الأمريكية من الحزب والعقوبات المفروضة على أرصدته المالية أثرتا على ماليته، مشيرا إلى قول هلال إنه "في حال اندلاع الحرب فإن إيران، التي تعاني من ظروف اقتصادية، ستأتي لدعم الحزب، لو اشتعلت الحرب فسيتغير الوضع لصالحنا.. ستأتي الأموال من كل مكان ومن حلفائنا كلهم". 
 
وتستدرك الصحيفة بأن قادة الحزب ينفون أثر العقوبات الأمريكية على مالية الحزب وقراراته العسكرية، مشيرا إلى قول قائد كتيبة تابعة لحزب الله، يدعى هشام: "يعتقد الأمريكيون أن حزب الله يعاني من أزمة مالية، لكن وضعه المالي جيد"، وأضاف: "تعتني إيران بنا بالطريقة ذاتها التي أعتني بها ببستاني". 
 
ويورد التقرير نقلا عن جونز، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، قوله إن العقوبات الأمريكية، وإن تركت أثرها على حزب الله، إلا أن الأثر على قدراته كان ضعيفا، ويضيف: "باختصار لا أعتقد أن العقوبات تركت أثرا كبيرا على قدراته العملياتية.. أعتقد أن الحرب ستزيد بالتأكيد من العقوبات، وستؤثر على موقعهم أكثر من أي شيء آخر". 
 
ويقول الكاتب إنه من غير المعلوم أين ستقف أمريكا في الحرب بين إسرائيل وحزب الله التي ستندلع وسط مواجهة أمريكية مع إيران، ويرى جونز أن "هناك علاقات بين الولايات المتحدة والجيش الإسرائيلي والاستخبارات، وبالتأكيد ستوفر الولايات المتحدة دعما للإسرائيليين، بما فيها مواقع للضرب"، ويقول إن الإدارة الأمريكية والكابيتال هيل سيدفعان لوقف الحرب لو اندلعت، "أظن أن هناك ضغطا في الولايات المتحدة، خاصة من البيت الأبيض والكابيتال هيل والرئيس بالذات، فهؤلاء لا يريدون الحرب، خاصة مع إيران". 
 
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن تردد الرئيس في المواجهة بدا في أحاديث مقاتلي الحزب في الجنوب، فقال أحدهم: "سيقوم الأمريكيون بدور من تحت الطاولة"، وأضاف: "ترامب أحمق، ولا أحد يعرف ماذا سيفعل، وستقف أمريكا خلف إسرائيل، ولا أعتقد أنه سيتدخل في لبنان لأن إيران ستتدخل، وهو لا يريد الحرب مع إيران"