ما عليك إلا أن تفتح عقلك ولو قليلاً قبل أن تفتح عصبيتك المذهبية ومعها الحزبية، ولكن ضعه أمام عينيك بعد أن تخلع نضارتك المذهبية، واجعله أمامك ولو كان علقماً، لأنَّ الفيروس لا ينفعه إلا العقاقير المرَّة..
 

قرأت كتاب "كربلاء بنظَّارة لا مذهبية الجزء الثاني" للشيخ الشيعي الأستاذ ميثاق العسر، وهذا الكتاب من وجهة نظرنا يستحق التأمل كثيراً لما فيه من منهجية علمية دقيقة، ولكثرة الأفكار التي قد تفاجىء كل متعصب مذهبي، وكل واضع نظارة على عينيه تمنعه من رؤية الكثير من المعتقدات والموروثات التي لا أصل لها، معتقدين أنها جزء من الدين، وسأنقل لك رأياً لربما كان هناك ضرورة لطمسه، وما عليك إلا أن تفتح عقلك ولو قليلاً  قبل أن تفتح عصبيتك المذهبية ومعها الحزبية، ولكن ضعه أمام عينيك بعد أن تخلع نضارتك المذهبية، واجعله أمامك ولو كان علقماً، لأنَّ الفيروس لا ينفعه إلا العقاقير المرَّة..

قال في الكتاب "ص 70" ما نصه: ( كان المرحوم عباس القمي "صاحب مفاتيح الجنان" المتوفي سنة:"1940م" يعتقد خطاً بوجوب كتمان جملة من الحقائق التاريخية التي توجب إظهارها تضعيف عقائد الناس، وهي نفس الشمَّاعة الدائمية التي نسمعها من هنا وهناك ويُغرِّر بالبسطاء والسُّذج عن طريقها، فيتَّهمون من يُظهر حقائق لم تخطر على أذهانهم من قبل بأنه جاهل لا يفهم شيئاً، وإلا فلو كانت موجودة فلماذا لم يظهرها الأكابر من علمائنا ومراجع تقليدنا!!

وقد نسوا إنَّ هؤلاء الأكابر ينطلقون من مباني فقهية تسوِّغ لهم إخفاء هذه الحقائق وطمسها، بل وتمزيق الأدلة الحصرية عليها.!! ويضيف : وبغية توثيق ما نسبناه إلى المرحوم القمِّي أُذكِّرُ بما رواه زميل السيد السيستاني أعني المرحوم "محمد حسين الطهراني" المتوفي سنة: "1416ه" في هذا المجال حيث قال ما نصه: "نقل لي المرحوم صديقي البار الكريم سماحة آية الله السيد صدر الدين الجزائري "أعلى الله مقامه" أنه كان ذات يوم في بيت المرحوم آية الله السيد محسن الأمين العاملي "رحمه الله" بالشام، واتفق حضور المرحوم ثقة المحدِّثين الشيخ عباس القمِّي، "رحمه الله" هناك، فجرى حوار بين المرحومين القمِّي والأمين، فقال المرحوم القمِّي مخاطباً المرحوم الأمين: لِمَ ذكرتَ في كتاب "أعيان الشيعة" بيعة الإمام زين العابدين (ع) ليزيد بن معاوية "عليه وعلى أبيه اللعنة والهاوية".؟! فقال (محسن الأمين) : إنَّ "أعيان الشيعة" كتاب تأريخ وسيرة، ولمَّا ثبت بالأدلة القاطعة أنَّ "مسلم بن عقبة" حين هاجم المدينة بجيشه الجرَّار، وقتل ونهب وأباح الدماء والنفوس والفروج والأموال ثلاثة أيام بأمر من يزيد،وارتكب من الجرائم ما يعجز القلم عن وصفها،فقد بايع الإمام السجاد(ع)، من وحي المصالح الضرورية اللازمة،والتقية حفظاً لنفسه ونفوس أهل بيته من بني هاشم،فكيف لا أكتب ذلك ولا أذكره في التاريخ.؟! ومثل هذه البيعة كبيعة أمير المؤمنين (ع) أبا بكر بعد ستة أشهر من وفاة الرسول الأكرم واستشهاد الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء "سلام الله عليهما"..

إقرأ أيضًا:" ما أحوج لبنان إلى محمد بن سلمان..! "

فقال المرحوم القمِّي : لا يصلح ذكر هذه الأمور وإن كانت ثابتة، لأنها تؤدي إلى ضعف عقائد الناس، وينبغي دائماً أن تُذكر الوقائع التي لا تتنافى مع عقيدة الناس.!! قال المرحوم الأمين: أنا لا أدري أيُّ الوقائع فيها مصلحة، وأيها ليس فيها مصلحة،عليك أن تذكرني بالأمور التي فيها مصلحة، فلا أكتبها) "كتاب معرفة الإمام، محمد حسين الطهراني:ج 15،ص 255".. وقال الشيخ ميثاق العسر: وتعقيباً على هذا الرأي الذي أفاده المرحوم القمِّي، والذي يشترك معه عموم علماء المذهب الإثني عشري المعاصرين وإن اختلفت البيانات في صياغته ـ أقول: "ربما يكون الرأي أعلاه صحيحاً ـ وركِّز على ربما كثيراً ـ في حالة ما إذا كانت العقائد الدينية أو المذهبية التي يعتقد الناس بها أو يتمذهبون عن طريقها متولدة من حقائق سماوية برهانية لا مجال لإنكارها أو التشكيك بها أو زعزعتها، وحيث إن مستوى وعي الأمة تجاه هذه العقائد ليس بالمستوى المطلوب، لذا فربما يُرجَّح عدم إذاعة هذه الحقائق التاريخية في أوساطهم،خوفاً من المحذور المذكور،ولكن إذا كانت جملة من هذه العقائد الدينية أو المذهبية الراسخة متولدة من نقولات تاريخية مرَّرها الأكابر المؤسِّسون وافترضوا حقَّانيتها انسياقاً مع مقولات مذهبية بنوا المذهب على أساسها بحيث إنَّ اطلاع الناس على ما يخالف هذه النقولات بشكل حقيقي وواقعي سيُغيِّر قناعاتهم بهذه المقولات دون شك وريب فكيف يُسوّغ حينذاك التَّمنُّع عن نقلها وطمسها وإخفاؤها.؟؟!! لا شك عندي ـ والكلام للشيخ العسر ـ إن كتم أمثال هذه الحقائق هو من أبرز مصاديق الكتمان القرآني الذي ورد فيه قوله تعالى : "إنَّ الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلاَّ النار ولا يُكلِّمهم الله يوم القيامة ولا يُزكِّيهم ولهم عذابٌ أليم".. فتدبر كثيراً والله من وراء القصد"..