أولادنا يشتهون المارتاديلا وقرفوا من الزعتر، واشتاقوا لقوالب الحلوى في أعياد ميلادهم. زوجاتنا وأخواتنا يخافون على جيوبنا من سرطان أثدائهنّ أكثر مما يخافون على حياتهنّ. أجدادنا وجدّاتنا باتوا يشتهون الموت على أن يروننا نستعطي ثمن دوائهم. بلكوناتنا ملّت من سهراتنا لأننا لا نملك ثمن صحن سلطة في مقهى، وبرّاداتنا تبحث عن اللحم والدجاج في رفوفها... ويطلب المسؤول منّا التقشّف!

 

كلّ ما دقّ الكوز بالجرّة يرهبوننا بسيناريو اليونان، ويذكروننا كيف انهار اقتصاد اليونان وواجهت هذه الدولة عام 2009 واحدة من أسوأ الكوارث المالية في التاريخ الحديث.

 

وكلّ ما زاد الدين العام واستشرى الفساد وانضربَت الليرة وانتكسَت المصارف وشحّ الدولار في البلد، يتوجّهون الينا بالكلام ويرعبوننا ممّا يخفي لنا الغد، وكأنهم يحاولون تحميلنا مسؤولية كل ما يجري... وعندما نسمع كلامهم ونرى أفعالهم، نكاد نشعر أنّنا تمادينا في المصروف خلال السنوات القليلة الماضية، وهدرنا المال العام على سفراتنا وموائدنا ومواكبنا وملابسنا وسياراتنا وفيللنا وألماسنا وكافيارنا، ولا بدّ أن نتقشّف قليلاً هذه الفترة ونغيّر عاداتنا ونساعد المسؤولين لمواجهة الأزمة المالية التي تهدّد لبنان.

 

يا حبيبي يا مسؤول، نحن متقشّفون ومديونون وموجوعون وعطشانون وتعبون وقرفانون ويائسون ومريضون منذ انتخاباتك الماضية، وما قبل انتخاباتك، وما قبلها وما قبل قبلها... ونحن شبعنا تقشّفاً وأنت لم تشبع بعد.

 

وبدل أن تذكّروننا وترهبوننا باليونان، إسمحوا لنا بلسان سائق التاكسي، وبائع الخضرة، والجزّار، والحدّاد، والمعلّمين والمعلمات، والإعلاميين، والفنانين، والكادحين بعيداً من وساطاتكم وتجاوزاتكم وفسادكم... إسمحوا لنا بإسم جميع هؤلاء أن نذكّركم ونرهبكم بحكم ماري أنطوانيت آخر ملكة على فرنسا قبل الثورة الفرنسية، والتي أعدمها الشعب بالمقصلة عام 1793 بعد أن فشلت في أن تشعر بجوع الشعب وعذابه، وبعد أن تمادت في إسرافها وعيش حياة الترف المطلق فيما كانت الناس لا تجد ثمن رغيف خبز... أعدموها بعد أن قالت لأحد مستشاريها «دعهم يأكلون الكعك» عندما رفع إليها تقريراً عن الحياة المزرية التي كان يعيشها الفرنسيون حينها.

 

لا نعلم صراحة يا حبيبي يا مسؤول ماذا يقول لك أزلامك ومستشاروك ومرافقوك في جلساتكم الخاصة وعلى كنباتكم المخملية، ولا نعلم ماذا ينقل لك أولئك الذين اشتريت ولاءهم برخصة سلاح أو توظيفة عالماشي أو تنفيعة من تحت الطاولة... لكن نحن الذين لم نتعلّم دق أبوابكم وتنجيد كراسيكم والتهليل لخطاباتكم والتصفيق لطائفيتكم، نحن بدأنا بأكل الكعك من دون أن تطلبوا منّا، ولسنا قادرين أصلاً أن نعيش سوى بالتقشّف، ونضحّي منذ سنوات بأكلنا وملبسنا وهدايا أولادنا وضهراتنا وسهراتنا ورفاهيتنا حتى نتمكّن من أن نأكل ونطعم.

 

يا حبيبي يا مسؤول، أكثر من هذا الكمّ من التضحية أصبح يعني الموت بالنسبة لنا، وأكثر من هكذا تقشّف بات يعني العوَز... وإذا كنت فعلاً تريد أن تواجه الأزمة الاقتصادية وتجدنا خلفك في المعركة، ما رأيك مثلاً لو تبدأ من نفسك، أو تبدأ من حساباتك ومحسوبياتك، أو من تنفيعاتك وتلزيماتك.

 

إذا فعلاً تريدها معركة لنحيا ويحيا لبنان، ما رأيك لو تقتلع موظفيك من القطاع العام ولا تبقيهم عالة على الدولة. أو تبني معامل لإنتاج الكهرباء ولا تكبّدنا المزيد من مصاريف الفيول واستئجار البواخر، الذي هو على فكرة نصف حجم الدين العام.

 

ما رأيك لو تنظّم قطاع الاتصالات وتوقف سرقتنا من هواتفنا وتسمح للدولة أن تستفيد. ما رأيك لو تفرض ضريبة على الأثرياء وأصحاب الأملاك الفرعونية ومالكي اليخوت الفينيقية.

 

ما رأيك لو تخفّف قليلاً أكل البحص والرمل من الكسارات، أو تترفّع عن الاستفادة من حاويات نفاياتنا. ما رأيك لو تعيّن وزراء متخصصين لإدارة الوزارات بجدارة، أو تستعين باقتصاديين لإنقاذ البلد وتجلسهم إلى طاولة الحوار بدلاً من سياسيين لا يشبعون.

يا حبيبي يا مسؤول، ماري انطونيت بتسلّم عليك وبتقلّك: شو رأيَك لو بتحِلّ عن جيوبنا شوي.