شدّد كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي غربيس ايراديان على أنّ الحكومة لن تصل الى نسبة العجز المالي المستهدفة عند 6 في المئة في حال لم تتّخذ إجراءات ضريبية لتأمين إيرادات مضمونة، أوّلها وأهمّها زيادة الضريبة على أسعار الوقود.
 

رأى ايراديان أنّ اجتماع بعبدا الاقتصادي كان شاملاً، لم يحدّد التدابير اللازمة لزيادة الإيرادات بل إنّ العناوين الأساسية شدّدت على الاستمرار بربط سعر الليرة بالدولار، والالتزام بخفض نسبة العجز لكن من دون تحديد كيفية بلوغ أهداف خفض العجز الى 6 و5 و4 في المئة على صعيد سنوي. 

 

وقال لـ«الجمهورية» إنّ الاجتماع كان مبهماً، «لأنه على صعيد خفض الإنفاق، لم يعد هناك من احتمالات امامنا، وما تمّ الاتفاق عليه من ناحية إقفال المؤسسات غير الفعّالة لا يؤمّن الوفرَ المطلوب، وبالتالي يجب التركيز على زيادة الإيرادات من أجل بلوغ نسبة العجز المستهدَفة في 2020. كما أنّ الاجتماع لم يتطرّق الى كيفية خفض كلفة خدمة الدين العام، وهو إصلاح مالي هيكلي ما زال مجهولاً».

 

قال: لم يتم الاتفاق على فرض ضريبة على البنزين علماً أنها الضريبة الاساسية اليوم من اجل زيادة الإيرادات والتي تؤمّن 500 الى 600 مليون دولار سنوياً. ومن دون هذه الضريبة، من الصعب جدّاً بلوغ نسبة العجز المستهدَفة عند 6 في المئة.

 

واشار الى أنّ إيرادات الضرائب على الوقود والتنبك في الأردن على سبيل المثال، تعادل 6,6 في المئة من الناتج المحلي مقارنة مع اقلّ من 1 في المئة في لبنان. اضاف: في حال يتمّ رفض هذا الاقتراح من أجل عدم تكبيد الطبقة الفقيرة أيّ أعباء، هناك «تدابير حمائية» يمكن اتّخاذُها عند فرض هذا النوع من الضرائب من أجل حماية الطبقة الفقيرة من العائلات التي تعتمد على سيارة واحدة، وهناك دول عدّة اعتمدت هذه التدابير. أما النقطة الأساسية الثانية التي تؤمّن الإيرادات المطلوبة فهي رفع الضريبة على القيمة المضافة الى 15 في المئة على الكماليات والضريبة على الفوائد المصرفية الى 11 في المئة، وهما أمران لم يتمّ الاتفاق عليهما. 

 

وشدّد ايراديان على أنّ اتفاق الحكومة على رفع الضريبة على الوقود ورفع الـTVA سيرسل الى الخارج والمستثمرين إشارات إيجابية بأنّ السلطات تأخذ باقتراحات صندوق النقد الدولي، وتسير على الطريق الصحيح. 

 

ومن ناحية خفض النفقات، رأى أنّ التحويلات الى مؤسسة كهرباء لبنان قد تتراجع بنسبة اضافية نظراً لتراجع الأسعار عالمياً والتي تشير التوقعات الى تراجعها لمعدل 60 دولاراً للبرميل في العام المقبل مقابل 65 دولاراً حالياً، ومقابل 72 دولاراً للبرميل العام الماضي. 

 

واعتبر أنّ المزيج المكوَّن من ارتفاع أسعار الفوائد، والمشاحنات السياسية التي أخّرت الموافقة على موازنة 2019، وتراكم المزيد من متأخرات الإنفاق الحكومي، يمكن أن يؤدّيا إلى تقلّص الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا العام الى -0,6 في المئة، مرجّحا أن يستأنف النموّ العام المقبل بنسبة 2,5 في المئة مدفوعاً بتنفيذ المشاريع التي سيموّلها CEDRE. وأشار الى أنّ العجز المالي سينخفض في العام 2019 إلى 7.8٪ على أساس نقدي، و 9.5٪ على أساس احتساب مستحقات الدولة (والذي يبرز متأخّرات الإنفاق المقدّرة بـ1,9٪ من الناتج المحلّي). في حين أنّ مسودة موازنة العام 2020 تهدف إلى تقليص العجز المالي إلى 6٪ من إجمالي الناتج المحلي من خلال تدابير لزيادة الإيرادات، بما في ذلك مكافحة التهرب الضريبي بشكل حاسم، وزيادة الضرائب على الوقود، وضريبة القيمة المضافة على المنتجات الفاخرة. 

 

وشدّد ايراديان على أنّ تراكم مستحقات الدولة يضرّ بالاقتصاد وبالدورة الاقتصادية ويكبّل النموّ، «لذلك يجب على الدولة الاستفادة من الإيرادات الاضافية لتسديد تلك المستحقات، ممّا يخفض نسبة العجز المالي الفعلية».

 

وفي تقريره تحت عنوان «لبنان: دعوة للاستيقاظ»، اشار الى انّ الاقتصاد اللبناني يمرّ في مرحلة تحوّل، بعد أن خفّضت في الآونة الأخيرة وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف لبنان إلى CCC من B-، في حين أعلنت S&P عن فترة سماح مدتها 6 أشهر قبل تغيير تصنيفها الحالي للبنان. واعتبر أنّ لبنان ما زال قادراً على عدم التخلّف عن السداد نظراً إلى حجم احتياطه الكبير، ونظامه المصرفي القوي، وسجلّه الحافل بعدم تخلّفه عن سداد ديون بالعملات الأجنبية.

 

وقال ايراديان إنّ السلطات باتت على ما يبدو تدرك الآن خطورة الوضع وتقوم بتوجيه دعوة قوية وموحَّدة لاتّخاذ إجراءات عاجلة لتنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية اللازمة لاحتواء الدين العام، وإعادة بناء الثقة، والحفاظ على ربط سعر الليرة بالدولار. ولفت الى أنّ تلك الإصلاحات المالية والهيكلية الجارية يمكن أن تطلق عنان حزمة مساعدات «سيدر» المقدّرة بـ 11 مليار دولار.

 

وشدّد ايراديان على أنّ تنفيذ التدابير الإصلاحية المخطط لها لعام 2020 سيكون عاملاً مهمّاً لإثبات مصداقية استراتيجية الحكومة. كما وانّ من شأن الإصلاح المالي الناجح أن يوفر فرصة لتعزيز الموازنة العمومية للبنك المركزي وتخفيض أسعار الفائدة. 

 

ورأى أنّ معالجة الفساد وتحسين الحوكمة هما المكوّنات الأساسية للإصلاحات المالية والهيكلية، حيث إنه سيتم إحراز تقدّم في محاربة الفساد عندما تتواجد الإرادة السياسية القوية والمستدامة. وبالنسبة للنظرة المستقبلية للبنان، رأى ايراديان أنها خاضعة لمخاطر تصاعد التوترات الإقليمية وصعوبة حشد الدعم السياسي للإصلاحات المالية والهيكلية. لافتاً الى أنه في غياب أيّ إصلاح حقيقي ودعم خارجي، سيبقى لبنان في حلقة مفرغة من ارتفاع الديون وارتفاع أسعار الفائدة وتراجع الاستثمارات الخاصة وتباطؤ النموّ.