كُشفت الإجراءات الصعبة المطلوبة لتفادي الانهيار المالي - الاقتصادي، من خلال ما عُرض على طاولة قصر بعبدا أمس الأول. كذلك كُشفت مواقف القيادات السياسية من هذه الإجراءات. وبَدا أنّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل على «مَوجة واحدة» تُعاكس «التيار» الذي يسود الواقع السياسي - الإداري في البلد. فتماهى موقفا الرجلين بالدعوة إلى تأليف حكومة اختصاصيين تدير هذه المرحلة. موقف الكتائب ليس بالمفاجئ كونه يتصدّر المعارضة، على عكس موقف «القوات» التي تتمثّل في الحكومة بـ4 وزراء، ما يدلّ إلى أنّها، وبعد تجربتها الوزارية، «يئست» من هذه السلطة. فإذا كانت هذه حال «القوات»، فكيف بالمواطن «الموعود» برسوم وضرائب جديدة ولو تحت مسمّيات أخرى؟
 

دعا جعجع، خلال الاجتماع الاقتصادي - الوطني الذي عُقد في القصر الجمهوري في بعبدا أمس الأول، الى تغيير الطاقم السياسي والحكومة، معتبراً أن «لا ثقة بين الدولة والناس». وغَمز من قناة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل الذي تحدّث عن ضرورة إحداث صدمة، مُعتبراً أنّ الصدمة الايجابية هي تأليف حكومة اختصاصيين تدير هذه المرحلة وتعالج الوضع الاقتصادي. 

 

لكن لا يبدو أنّ طرح استقالة الحكومة وتأليف حكومة اختصاصيين مُرحّب به، فلم يُجارِ أيّ طرف من أركان التسوية الرئاسية جعجع بطرحه، وأتى الردّ على تأليف حكومة حيادية على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي اعتبر «أنها لا تقدّم ولا تؤخّر». 

 

مثلما ترك جعجع مشاركته أو عدمها في اجتماع بعبدا «مفاجأة»، فاجَأ طرحه تغيير الحكومة كثيرين، واعتبر البعض أنّ على وزراء «القوات» الاستقالة من الحكومة قبل أن يتقدّم جعجع بطرح كهذا، فـ»كيف يُعلن أحد أطراف التسوية وأركان الحكومة عدم الثقة بها ويستمرّ في المشاركة فيها؟!». بالنسبة إلى «القوات» أتى طرح جعجع على خلفية أنّ الجميع يتحدثون عن أنّ هناك فرصة أشهر قليلة أمام لبنان للخروج من المأزق المالي - الإقتصادي، ولأنّ هناك حاجة ملحّة إلى خريطة طريق وخطة إنقاذ للخروج من الواقع الراهن، وَجدَ جعجع أنّ حكومة اختصاصيين هي الصيغة الأفضل لوضع لبنان على السكة الصحيحة.

 

من هذا المنطلق إقترح جعجع الذهاب إلى حكومة اختصاصيين، تحقق 3 أهداف:

الأول، تُشكّل صدمة إيجابية لدى الشعب اللبناني بمجرد أن تتألّف من اختصاصيين وتقنيين ورجال أعمال مَشهود لهم بكفايتهم ومسيرتهم يَتولّون مسؤولية الإنقاذ، لا أن تتألّف من مستشارين لدى رئيس حزب أو مرجع، ما يدلّ إلى أنّ هناك تحرّكاً جدّياً في البلد.

 

الثاني، إتاحة الفرصة لإيجاد حلول لمشكلات وأزمات لم تُحلّ على مدى 30 عاماً أو على الأقلّ منذ عام 2005 إلى الآن، مثل مشكلة الكهرباء وإقفال المعابر غير الشرعية وضبط المعابر الشرعية والتوظيف والتدخّل في الدولة.


الثالث، أن لا تكون الحكومة حلبة صراعات ولا تُعطّلها الخلافات والمناكفات السياسية، على غرار ما حصل أخيراً على خلفية حادثة البساتين في الجبل، بل تكون حكومة مُنتجة يعمل كلّ وزير من وزرائها حسب اختصاصه وصلاحياته، لإيجاد حلّ للمشكلات خلال 6 أشهر.


وإذ تشير مصادر «القوات» لـ»الجمهورية» إلى أن «لا ثقة لدى المواطن اللبناني والمستثمر الأجنبي في الحكومة والسلطة الحاكمة»، تَلفت إلى أنّ «جميع المسؤولين الذين اجتمعوا في بعبدا، ومن دون استثناء، قالوا إن لا ثقة بالدولة، وكذلك يقولون جميعاً إنّ الأمور إذا بقيت على ما هي عليه فنحن ذاهبون الى انهيار حتمي». وتقول: «لذلك يجب اتخاذ إجراءات فورية، ومن هذا المنطلق طرح جعجع تأليف حكومة اختصاصيين».

 

وتوضح المصادر أنّ «طرح اعتماد حكومة اختصاصيين هو حالة موقتة لمعالجة هذا الوضع ولن يكون حالة دائمة، إذ إنّ الأزمات تَستولِد بعضها بعضاً، ولم نتمكّن من حلّ أي أزمة، وهناك عَطب بنيوي يجب معالجته جذرياً». وتضربُ مثلاً على ذلك العجز في الكهرباء الذي يُرهق الدولة، والتي استلمها الطرف السياسي نفسه منذ 10 سنوات ولم يتمكّن من إيجاد حلّ لها.

 

أمّا إذا لم تستقِل الحكومة وتُؤلّف حكومة اختصاصيين، فيبقى الحلّ الوحيد بالنسبة إلى «القوات» لتحقيق نقلة إنقاذية، الذهاب في الاتجاه الإقتصادي الذي حَدّدته «القوات» خلال جلسات درس مشروع الموازنة في الحكومة، ومناقشته في مجلس النواب. وتقول المصادر القواتية: «إذا لم يتخذوا خطوة جديدة وهي حكومة من اختصاصيين وتقنيين، يجب على الحكومة الحالية إجراء خطوات عملية فورية، من إقفال الحدود غير الشرعية وضبط الحدود الشرعية وإشراك القطاع الخاص مع القطاع العام، ما يخفّض المديونية ويضبط هذا القطاع الذي تُهدر فيه أموال الدولة».

 

وفي حين وافَق جعجع على البيان الصادر عن الاجتماع، فإنه تَحفّظ على الورقة الاقتصادية التي قُدّمت خلاله، وأكّد اعتراض «القوات» على كلّ ما له علاقة بفرض ضرائب جديدة. فـ»القوات» ترفض «تحميل الناس أعباء جديدة، إذ لا يُمكنهم تحمّل مزيد من الضرائب، في وقتٍ يجب وضع حَد لمحميّات على أكثر من مستوى، ووضع حَد للهدر الذي تستفيد منه بعض الجيوب والمشاريع السياسية».


إذاً، ما هي خطوات «القوات» المقبلة؟ هل يستقيل وزراؤها بعد إعلان عدم الثقة بهذه الحكومة؟ تجيب المصادر: «لن نستقيل من الحكومة، وإمّا حكومة

جديدة تضمّ اختصاصيين، وإمّا نحن مُستمرون من مربّع الحكومة بالضغط الذي نقوم به».

 

وإذ تشير إلى أنّ جعجع شارك في اجتماع بعبدا لإيصال رأي «القوات» وموقفها، تؤكّد «انّنا سنستمر بإيصال هذا الموقف والتشديد عليه، على طاولات الحوار ومن داخل الحكومة والبرلمان، ومن منابرنا الحزبية ومن خلال التواصل مع الناس».