الخطوات المُتّبعة اليوم لخفض العجز التجاري تجعل المنافسة العادلة بين الصناعة المحليّة والخارجيّة غير عادلة
 
اجتمعت كافّة الأطراف السياسيّة، أمس، في قصر بعبدا على طاولة الحوار الإقتصادي – المالي، وأكّد رئيس الجمهوريّة أنّ القرارات ستأخذ بعين الاعتبار واقع الفئات الشعبيّة والفقيرة. كما أعلن الرئيس الحريري بعد الاجتماع حالة طوارئ اقتصاديّة مع مُقترحات تهدفُ إلى مواجهة الأزمة، مُشدِّدًا على أنّ لدى الحكومة فترة 6 أشهر بعد تقريري "S&P" و"Fitch" لحلحلة الوضع حتى لا يصبح حالنا مُمَاثلًا لحال الدّول التي سقطت. كما ركّزت بعض المقترحات على مُشكلة العجز في الميزان التجاري الذي ارتفع من 15.8 مليار في العام 2017 إلى 16.6 مليار دولار في العام 2018، وعليه فقد تمّ اقتراح حماية الإنتاج المحلّي ودعمه ومنع الإغراق.
 
يُشير المحلّل الإقتصادي في المعهد اللّبنانيّ لِدراسات السوق مجدي عارف، في حديثٍ مع "لبنان الجديد" إلى أن "الخطوات المُتّبعة اليوم لخفض العجز التجاري تجعل المنافسة العادلة بين الصناعة المحليّة والخارجيّة غير عادلة، كما ترفع الكلفة على المواطن وتحرمه من الخيارات التي كان ينعم بها سابقًا وتفاقم من تدهور مرتبة لبنان على تصنيف حريّة التجارة الدوليّة (Economic Freedom to Trade Internationally) الذي يصدره معهد فرايزر (Fraser Institute). وكان قد تراجع لبنان من المرتبة 75 في العام 2010 إلى المرتبة 102 في العام 2016، ما خفّض من قدرة الإقتصاد على جذب الرساميل والإستثمارات". 
 
ويُضيف: "التحجّج بارتفاع العجز في الميزان التجاري وبأنّه يؤدّي إلى خروج العملة الصعبة من لبنان حديث غير دقيق. فقد انخفض عجز لبنان التجاري من 92% في العام 1992 إلى 16% في العام 2018 وفق أرقام البنك الدولي. ويعود ذلك إلى ارتفاع معدل الدخل الفردي في لبنان من حوالي 5500 دولار في العام 1998 إلى 8500 دولار اليوم. لذا فمن الطبيعي أن يزداد مصروف المواطن اللّبنانيّ على جميع السلع سواء كانت لبنانيّة أوّ أجنبيّة. ولكنّ ما يتم تداوله عن إغراق الأسواق اللّبنانيّة بالسلع الأجنبيّة وإلحاق الضرر بالمنتجات الوطنيّة في التقرير بعيد عن الصحّة، إذ ازداد الطلب على الاثنين معاً، لا بل انخفضت نسبة ما ينفقه المواطن من مدخوله على السلع والخدمات الأجنبيّة وارتفعت مقابلها نسبة ما ينفقه على البضائع المحليّة، بعكس ما يُرَوَّج له اليوم". 
 
 
أما عن الحلول، فيقرّ عارف بأنّ: "الحديث عن إشراك القطاع الخاصّ في مشاريع البنى التحتيّة هو خطوة في الاتّجاه الصحيح بإمكانها تحسين مرتبة لبنان التي وصلت إلى 130 من أصل 137 على مؤشر التنافسيّة العالميّة فيما يتعلّق بالبنى التحتيّة، ولكنّ الشيطان يكمنُ في التفاصيل.  فإن كان إشراك القطاع الخاصّ يَعني أنّ الدولة تؤمّن التمويل وتقوم الشركات الخاصّة بالتشغيل والإدارة، فقد أثبت هذا النظام فشله مرارًا وتكرارًا في لبنان، لأنّه يُحمّل الدولة كلفة الاستثمار ويشجع على التوظيف العشوائي والفساد والمحسوبيّات. لذا ينبغي إخراج الدولة من قطاعات الكهرباء والمياه والطرقات والاتصالات والانترنت وفتحها للمنافسة. عندئذ تستثمر الشركات كافّة المرافق وخدمات البنى التحتيّة التي تحتاجها البلاد على نفقتها الخاصّة وتديرها عبر عقود البناء والتشغيل والنقل (BOT- Build, Operate, Transfer) وعقود البناء والامتلاك والتشغيل (BOO- Build, Own, Operate)  من دون المس بأموال الدولة أو الانتظار لسنوات عدّة ريثما تتوفر الاعتمادات كما يحصل عادةً في القطاع العامّ."
 
بعد أن دقّ ناقوس الخطر الإقتصادي، بات من الضروري أن تقوم الدولة بإصلاحات جذريّة تُخفّض من نفقاتها وتدفع بعجلة النموّ إلى الأمام. ويُمكن للقطاع الخاصّ أن يوفّر على الدولة الكثير من الأعباء بمجرد اتباع طريقتي الـ BOT والـ BOO. وكذلك ينبغي على الدولة الإحجام عن اتباع سياسات تظلم المواطن اللّبنانيّ وتحرمه من الخيارات التي يتمتّع بها اليوم. وهذا ما يسمح لِمُقرّرات الحوار الاقتصادي بأن تصبّ فعلًا في صالح جميع المواطنين، لا في صالح فئات مُعيّنة على حساب المواطن والخزينة.