نفّذ حزب الله وعده بالرد على إسرائيل مشرعا الأبواب على حرب واسعة ذات نتائج مدمّرة على لبنان. لكنّ إسرائيل سارعت إلى نزع فتيل التصعيد بإعلان أن الهجوم الذي شنه حزب الله على مدرعتين إسرائيليتين في أفيفيم، قرب الحدود مع لبنان، لم يؤدّ إلى سقوط أي ضحايا. وذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى القول إنّه “لم يصب” أي عسكري إسرائيلي بـ”خدش”.
 
وكان ملفتا أنّ ردّ حزب الله من جنوب لبنان، أي من منطقة عمليات القوّة الدولية التي يفترض أن يكون خارجها، جاء على حدث وقع في سوريا حيث قتلت إسرائيل عنصرين من حزب الله هما حسن زبيب وياسر ضاهر قبل نحو عشرة أيام

وجاء مقتل الشابين اللبنانيين في عقربا السورية القريبة من دمشق في أثناء تحضير فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني لعملية إطلاق طائرات من دون طيّار في اتجاه إسرائيل.

ولاحظت أوساط سياسية لبنانية أنّ حزب الله وزع معلومات فحواها أن الرد على الطائرتين المسيرتين، اللتين تحطمتا قبل أسبوع فوق الضاحية الجنوبية لبيروت، “شأن آخر”.

كذلك لاحظت هذه الأوساط أنّ إسرائيل اكتفت بالردّ على ما قام به حزب الله بإطلاق نحو أربعين قذيفة في اتجاه الأراضي اللبنانية، مع تركيز خاص على بلدة مارون الراس الحدودية. وترى أوساط سياسية لبنانية أنّ تدخلات أميركية وفرنسية ساعدت في استيعاب الوضع في جنوب لبنان والحؤول دون التصعيد.

وأشارت في هذا المجال إلى اتصال أجراه رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري مع كلّ من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومع إيمانويل بون مدير مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

واعتبرت هذه الأوساط أنّ حزب الله سيعلن كعادته أنّه انتصر في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل إذ لم يترك مقتل عنصرين تابعين له قتلا في سوريا من دون ردّ.

وقال سياسي لبناني إن ذلك يمكن أن يرضي الحزب في ضوء الحاجة إلى عمل عسكري ما، حتّى لو لم يؤد إلى مقتل إسرائيليين، يظهره في مظهر من لا يقبل السكوت عن أي استفزاز يتعرّض له.

وتوعد حزب الله بالرد على الهجومين الإسرائيليين، وقال أمينه العام حسن نصرالله، مساء السبت، إن “الموضوع بالنسبة لنا ليس رد اعتبار إنما يرتبط بتثبيت معادلات وتثبيت قواعد الاشتباك وتثبيت منطق الحماية للبلد”. وأضاف “يجب أن يدفع الإسرائيلي ثمن اعتدائه”.

وأعلنت إسرائيل، الأحد، أنها ردت بإطلاق النار على جنوب لبنان بعد إطلاق صواريخ مضادة للدبابات باتجاه أراضيها، ما أثار مخاوف من تصعيد خطير مع حزب الله بعد أسبوع من التوتر المتصاعد.

من جهته، أعلن حزب الله، الأحد، تدمير آلية عسكرية إسرائيلية في منطقة أفيفيم قرب الحدود الجنوبية للبنان، مشيرا إلى سقوط قتلى وجرحى، وذلك بعد أسبوع من اتهامه إسرائيل بشن هجوم بطائرتين مسيرتين في معقله قرب بيروت وقتل اثنين من عناصره في غارة في سوريا.

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إن “عددا من الصواريخ المضادة للدبابات أطلقت من لبنان باتجاه قاعدة عسكرية إسرائيلية ومركبات عسكرية”. وأضاف “تم تأكيد الضربات” وردت القوات الإسرائيلية “بالنيران على مصدر الصواريخ وأهداف في الجنوب اللبناني”.

وبعد التقارير الأولية عن إطلاق النار، دعا متحدث عسكري الإسرائيليين الذين يعيشون على بعد أربعة كيلومترات من الحدود مع لبنان إلى البقاء في منازلهم وتجهيز ملاجئ الإيواء دون مطالبتهم بالدخول إليها في الوقت الحالي.

ودعت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (يونيفيل) جميع الأطراف إلى “ضبط النفس” إثر التصعيد. ومنذ وقوع الهجومين، يترقّب اللبنانيون الردّ، ويتساءل البعض ما إذا كان سيؤدي إلى تصعيد أكبر.

إلا أن نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم قال في مقابلة، مساء الثلاثاء، مع قناة روسيا اليوم “أستبعد أن تكون الأجواء أجواء حرب، الأجواء هي أجواء رد على اعتداء وكل الأمور تقرر في حينه”.

ويأتي التصعيد، الأحد، قبل الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 17 سبتمبر الجاري. ويرى مراقبون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد تجنب نزاع كبير قبل ذلك بسبب المخاطر السياسية التي ينطوي عليها رغم أنه نبه لبنان وحزب الله إلى ضرورة “توخي الحذر”.

وقال نتنياهو، بداية هذا الأسبوع، ردا على نصرالله إن “دولة إسرائيل تعرف كيف تدافع عن نفسها وترد على أعدائها”. واقترح نتنياهو على الأمين العام لحزب الله أن “يهدأ”.

وقطع نتنياهو اجتماعه في مدينة القدس مع رئيس هندوراس خوان أورلاندو هرنانديز، على خلفية التصعيد العسكري عند الحدود مع لبنان.

وأكد مكتب رئيس الوزراء الذي يتولى أيضا منصب وزير الدفاع أنه تم إبلاغ نتنياهو بتطورات الوضع عند الحدود اللبنانية، حيث تبادل الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” قصفا.

وتقول أوساط سياسية إن شبح حدوث مواجهة شاملة لا يزال بعيدا، لكن في ظل لعبة التحدي واستعراض العضلات التي  تمارس فإن جميع السيناريوهات تبقى مفتوحة، خاصة وأن أي طرف لا يظهر أي رغبة في النزول أولا من الشجرة العالية التي صعدها.

وترافقت هذه التطورات الميدانية مع تصعيد كلامي لمسؤولين ومرشحين للانتخابات الإسرائيلية العامة المقررة في سبتمبر المقبل، والتي يعتبر كثيرون أن لها ارتباطا وثيقا بما يجري من احتكاك لبناني إسرائيلي.

ووجه وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس تهديدا باللغة العربية إلى لبنان ردا على خطاب الأمين العام لحزب الله، ووصف كاتس في تغريدة على موقعه على “تويتر” نصرالله بـ”دمية إيرانية يأخذ على عاتقه ملف الهجوم الإيراني المخطط من سوريا وأغلب الظن أنه لم يكن على علم به”.

واتهم الوزير الإسرائيلي، وهو أحد صقور حكومة بنيامين نتنياهو نصرالله بـ”تسويق روايات عن الدفاع عن لبنان” إلى سكان هذه البلاد، وتابع “لو استمر على هذا المنوال فإنه سيكرس ذكراه كمن خرب لبنان”.

وفي وقت سابق حذر رئيس تحالف “أزرق أبيض” الجنرال السابق بيني غانتس حزب الله من مغبة شن هجوم على الأراضي الإسرائيلية، داعيا نصرالله إلى أن “يشفق على لبنان وألا يدفع إلى إعادته للعصر الحجري، إذ أن الدولة اللبنانية هي التي ستتحمل المسؤولية عن أي اعتداء ينطلق من أراضيها”. وتبدو أوساط سياسية متشائمة حيال إمكانية أن تهدأ الأمور خاصة وأن الطرفين أي حزب الله وإسرائيل دخلا في لعبة خطيرة، قد تنتهي بمواجهة عسكرية.


ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤول أمني، الأحد، قوله إن الأسبوع الجاري “هو الأكثر حساسيّة”، بخصوص التوتر على الحدود اللبنانيّة، “وبعده سنعرف إلى أين نحن ذاهبون”. ولفت المسؤول إلى أن حكومة نتنياهو تعمل على مستويات عدّة من أجل تطويق الردّ المحتمل من حزب الله على الهجومين الإسرائيليين في الضاحية الجنوبيّة لبيروت وعقربا السورية.

وينتظر اللبنانيون بقلق مآلات التصعيد وسط مخاوف من تدحرج الوضع لحرب سيكون لبنان أبرز المتضررين منها، خاصة وأنه يمر بوضع اقتصادي دقيق والذي في حال لم يسرع المسؤولون في تنفيذ الإصلاحات التي تم إقرار جزء مهم منها في موازنة العام 2019 فإن اقتصاد البلاد سينتهي إلى الانهيار.

وقال رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل إن “الشعب اللبناني والنواب والوزراء كمن يتابع فيلما سينمائيا يدور حول من يأخذ المبادرة ويقرر ويخاطب ويهدد كما لو كانت الدولة اللبنانية غير معنية بحماية شعبها وكما لو كان التعدي على لبنان لا يعنيها وأن حزب الله أصبح هو الدولة وجمهوريتنا هي الدويلة وليس العكس”.

وغرّدت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية مي شدياق عبر “تويتر” الأحد، قائلة “ماذا على اللبناني أن يتوقع؟ من يقرر مصيره؟ هل استسلمت الدولة للحزب وعلينا انتظار سيناريو مشابه لـ2006؟ إذا كان الدمار محتما ما نفع اجتماع بعبدا الاقتصادي اليوم الاثنين؟”.