في الوقت الذي تعاني فيه الأسواق الناشئة بسبب الأزمات التي تسببت فيها تحرَّكات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، خصوصاً ما يتعلق بملف الحروب التجارية وأزمات سوق العملات، يندفع الاقتصاد التركي إلى موجة كبيرة من الأزمات التي تجعله في صدارة دول الأسواق الناشئة الأكثر تأثراً بهذه الأحداث، إذ شهدت تركيا في الآونة الأخيرة نزوح رؤوس أموال إلى أسواق أخرى.
 
وفيما تشير بيانات معهد التمويل الدولي إلى نزوحٍ كبيرٍ للمستثمرين من الأسواق الناشئة، تشير البيانات الرسميّة الحديثة إلى أن احتياطي النقد الأجنبي واصل تراجعه خلال الأسبوع الماضي، كما أن احتياطيات الذهب شهدت انخفاضاً في الفترة نفسها.
 
في الوقت نفسه، يواصل التضخم زحفه إلى مستويات قياسية مع استمرار ارتفاع الأسعار بدعم استمرار تهاوي الليرة التركية مقابل الدولار الأميركي. وعلى الرغم من ذلك فإن الحكومة التركية لا ترى أن الاقتصاد التركي يواجه أي أزمات، وهو ما يثير كثيراً من علامات الاستفهام والتعجب.
 
احتياطي النقد والذهب يواصل التراجع
التقرير الأخير الصادر عن البنك المركزي التركي خلال الأيام الماضية، أشار إلى أن احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك تراجع إلى مستوى 76.826 مليار دولار خلال الأسبوع المنتهي في الـ23 من أغسطس (آب) الماضي، وهو أقل بنحو 597 مليون دولار عن مستويات الأسبوع السابق له.
 
وكان احتياطي النقد الأجنبي لدى تركيا تراجع بمقدار ملياري دولار في الأسبوع المنتهي في الـ16 من أغسطس (آب) الماضي، ليواصل بذلك اتجاهه الهابط.
 
وبالنسبة إلى احتياطيات البنك المركزي التركي من الذهب، فقد بلغ نحو 24.708 مليار دولار في الأسبوع قبل الأخير من الشهر الماضي، متراجعاً من مستوى 25.266 مليار دولار المسجَّل في الأسبوع السابق له.
 
أمَّا إجمالي احتياطيات البنك (التي تضم الذهب والنقد الأجنبي معاً)، فتراجعت من مستوى 102.689 مليار دولار إلى مستوى 101.534 مليار دولار في الأسبوع الماضي.
 
لكن إجمالي الاحتياطيات التي يمتلكها المركزي التركي من الذهب والنقد الأجنبي معاً كانت أعلى بنحو 9.54% في الأسبوع الثالث من شهر أغسطس (آب) الماضي مقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي عندما كانت تبلغ 92.692 مليار دولار.
 
خسائر الليرة تهوي بالسندات المقومة بالدولار
وهوت السندات المقومة بالدولار الصادرة عن الحكومة التركية، مع انخفاض إصدار 2030 إلى أدنى مستوياته في ستة أسابيع في ظل استمرار الضغوط على الليرة.
 
وانحدر كل من إصدار 2030 و2034 أكثر من سنت في الدولار، وفقاً لبيانات تريدويب.
 
يأتي ذلك في الوقت الذي تواصل فيه الليرة التركية هبوطها مواصلة خسائرها الصعبة، لتسجل خلال تعاملات الأسبوع الماضية أضعف مستوياتها منذ الـ19 من يونيو (حزيران) الماضي، وذلك تحت وطأة بواعث القلق من أثر حرب التجارة الصينية الأميركية والتوترات في شمال غربي سوريا.
 
ووفقاً لوكالة "رويترز"، قال نيكولاي ماركوف، الاقتصادي في "بيكتت" لإدارة الأصول، إن المستثمرين متخوفون من أثر تخفيضات فائدة أكبر على الليرة، إذ ستكون العملة أول مؤشر للاقتصاد الكلي يتفاعل مع هذا التطور.
 
التضخم يواصل الارتفاع ويسجل 16.4%
في سياق متصل، قالت غرفة التجارة في إسطنبول، إن أسعار التجزئة في أكبر مدينة تركية ارتفعت 2.53% خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، مقارنة مع الأرقام الخاصة بشهر يوليو (تموز) الماضي، لتسجل زيادة نسبتها 16.41% على أساس سنوي.
 
لكن أسعار الجملة في إسطنبول، التي يقطنها نحو خُمس سكان تركيا البالغ عددهم 82 مليون نسمة، تراجعت بنسبة 1.68% على أساس شهري لتسجل زيادة سنوية نسبتها 12.56%.
 
لماذا لا يرى المسؤولون هذه البيانات السلبية؟
وعلى الرغم من هذه الأرقام والبيانات السلبية، يرى محافظ البنك المركزي في تركيا، مراد أويصال، أن تعافي النشاط الاقتصادي لا يزال مستمراً وكذلك توقعات التضخم، مع تأكيد الحفاظ على موقف السياسة النقدية الحذر.
 
وقال في تصريحات، قبل يومين، إن "تعافي النشاط الاقتصادي استمرّ بوتيرة معتدلة خلال الربع الثاني" مع الإشارة إلى أن صافي الصادرات "أصبح محركاً للنمو الاقتصادي".
 
وتابع، "التعافي الاقتصادي لا يزال مستمراً خلال الربع الثالث، كما أن التحسُّن في توقعات التضخم مستمر".
 
وأضاف، "تطورات الطلب المحلي والتشديد النقدي أسهمت في دعم عملية تراجع معدل التضخم".
 
وكان البنك المركزي في تركيا قام بخفض معدل الفائدة الرئيس في البلاد باجتماعه الأخير بمقدار 425 نقطة أساس دفعة واحدة في أكبر عملية خفض بين البنوك المركزية الأخرى.
 
وأوضح محافظ البنك المركزي أن التضخم سوف يقترب تدريجياً من المستهدف في ظل موقف صارم حيال السياسة النقدية يركز على تراجع معدل التضخم.
 
وذكر أنه سيتم تحديد مدى تشديد السياسة النقدية من خلال النظر في مؤشرات الاتجاه الأساسي للتضخم لضمان استمرار عملية تباطؤ التضخم.
 
وأكد مجدداً أن البنك سوف يستمر في استخدام كل الأدوات المتاحة لتحقيق أهداف استقرار الأسعار والاستقرار المالي.
 
العجز التجاري يسجل أدنى مستوى في 16 عاماً
في سياق متصل، تراجع عجز الميزان التجاري في تركيا إلى أدنى مستوى في نحو 16 عاماً خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، مع وصول فائض الميزان الأساسي إلى أعلى مستوى منذ التسعينيات.
 
وكشفت بيانات حديثة صادرة عن مكتب الإحصاءات التركي "تركستات"، أن "عجز الميزان التجاري الأجنبي في تركيا بلغ 3.19 مليار دولار خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، وهو أقل بنحو 46.9% عند المقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي".
 
ويرجع الهبوط الكبير في عجز الميزان التجاري إلى "انخفاض فواتير الطاقة على خلفية تراجع أسعار الطاقة، إضافة إلى الهبوط في أسعار الواردات الأساسية".
 
أمَّا عجز الميزان التجاري خلال 12 شهراً المنتهية في يوليو (تموز) الماضي فبلغ 26.4 مليار دولار، وهي أفضل قراءة منذ أوائل عام 2004.
 
في حين أن فائض الميزان التجاري الأساسي، الذي يستثني الذهب والطاقة، فيقف حالياً عن أعلى مستوى منذ التسعينيات.
 
وحسب البيانات، فإن الصادرات في تركيا ارتفعت بنسبة 7.9% خلال الشهر الماضي على أساس سنوي، في حين شهدت الواردات هبوطاً بنحو 8.5% بالفترة نفسها.
 
موجة نزوح كبيرة من الأسواق الناشئة
ومن الأرقام الصادمة في تركيا خسائر الأسواق الناشئة، إذ تركت موجات قوية من التوترات التجارية في الآونة الأخيرة بصمتها على الاستثمار في أسهم وسندات الأسواق الناشئة خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، وذلك مع تخارج نحو 14 مليار دولار من رؤوس الأموال.
 
ويُقدر تقرير حديث صادر عن معهد التمويل الدولي، أن "المستثمرين قاموا بسحب نحو 13.8 مليار دولار من استثماراتهم في الأصول المالية في الأسواق الناشئة خلال شهر أغسطس (آب) الماضي".
 
ويعني ذلك أن أسهم وسندات الأسواق الناشئة عانت أسوأ تدفقات نقدية خارجة في شهر منذ نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2016.
 
ويمثل الأداء المخيّب للآمال لهذا الشهر انعكاساً للوضع في شهر يوليو (تموز) الماضي، مرجعاً السبب في ذلك إلى "تجدد النزاع التجاري"، إضافة إلى المخاوف المتزايدة حيال تباطؤ الاقتصاد العالمي.

وشهد سوق الديون تدفقات داخلة قليلة نسبياً بلغت 300 مليون دولار فقط خلال الشهر الحالي، وهو ما يشير إلى ضعفٍ واضحٍ في تدفق الأموال على سوق السندات، التي كانت تدعم في السابق الصورة الإجمالية للاستثمارات.

أمَّا التدفقات الخارجة من أسهم الأسواق الناشئة، فبلغت 14.1 مليار دولار خلال الشهر الحالي، وفقاً للتقرير.

يأتي ذلك على الرغم من أن أسهم الصين شهدت تدفقات داخلة في سوق الأسهم بنحو 1.5 مليار دولار فإن أسهم الأسواق الناشئة ككل باستثناء الصين سجَّلت تراجعاً بنحو 15.6 مليار دولار بالفترة نفسها.

ويشير التقرير إلى أنه على عكس دورات التدفقات النقدية الخارجة السابقة، التي كانت تشهد اختلافاً واضحاً في الديناميكيات بين تدفقات الأسهم والسندات، فإن شهر أغسطس (آب) الماضي عانى تدفقات كبيرة في الديون والأسهم معاً.

ويظهر مؤشر معهد التمويل للتتبع اليومي أن هناك 18 يوماً من أصل 21 يوماً خلال هذا الشهر شهدت تدفقات خارجة.

وحسب التقرير، فإن صافي تدفقات رأس المال للأسواق الناشئة (بما في ذلك تدفقات المصارف والاستثمار الأجنبي المباشر) بلغ 5.2 مليار دولار خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، وهو ما يمثل تحسناً حاداً عن الشهر السابق له، الذي شهد صافي تدفقات خارجة بقيمة 42 مليار دولار.

ويرجع ذلك جزئياً إلى الانعكاس في التدفقات على الصين، التي سجَّلت تدفقات صافية داخلة بقيمة 15 مليار دولار تقريباً في شهر يوليو (تموز) الماضي، مقارنة مع تدفقات صافية خارجة بنحو 8 مليارات دولار في الشهر السابق له.