التحرّش بالأطفال..من يُدافع؟
 
يتستَّر البعض وراء حصانة ثوبٍ أبيض أو ربّما أسود خوفًا من فعلتهم مُستغلّين سلطتهم أو ضعف ضحيّتهم.. فَمَن من الأطفال في لبنان لم يتعرَّض لأيّ مُضايقة تندرجُ تحت إطار التحرّش، أكانت مُضايقات لفظيّة وصلت إلى حدّ الاعتداء. ويعتبرُ الحديث عن هذا الأمر من المُحرّمات، وفي بعض الحالات يُلام الضحايا. خرقت في الآونة الأخيرة أصوات جدار الصمت، مواجهة تلك الجريمة المُستترة الصامتة مُدمّرة الأجيال والمجتمعات خصوصًا أنّ فكرة التحرّش ذهبت من أرض الواقع إلى العالم الافتراضي ليُصبح التحرّش إلكتروني أيضًا...
 
مُصطلحات مؤذية أصبحنا نسمعها وتُلاحقنا  يوميًّا في مُجتمعاتنا (تحرّش أب بابنته،العم الخال..الإغتصاب.. الإتجار بالبشر..) بالرغم من أنّنا نُحاول أن لا نُصدّقها غير أنّ هذه المُشكلة الإجتماعيّة هي موجودة ولا يُمكنُ طمسها خصوصًا أنّها تهدّم العائلة والمجتمع وتُسبّب بالتدمير النفسي والمعنوي والإجتماعي للضحيّة التي قدّ تؤدي إلى انعزاله عن المجتمع وقدّ تؤدّي إلى إقدام الضحيّة على الانتحار تَخوّفًا من العار أو من الفضيحة..
 
شرحت مُستشارة التعاون الدولي بحقوق الإنسان لجمعيّة إدارة الأزمات والتنمية المحاميّة أنديرا الزهيري، عن مفهموم التحرّش، قائلةً: "جريمة التحرّش الجنسي هو أن يلجأ الجاني إلى استعمال وسائل مُعيّنة، كالتهديد أو الإكراه أو مُمارسة الضغوط، بقصد إجبار الضحيّة قاصر/ة - راشد/ة  ذوي احتياجات خاصّة على الاستجابة لرغبات جنسيّة، فالتحرّش الجنسي يُعدّ  نوع من أنواع العنف المادّي أو المعنوي الذي يتّخذ اشكالاً مُختلفة، ولاسيّما بالأقوال أو الأفعال أو الإيحاءات ذات الطابع الجنسي، الشديدة التأثير على كرامة سائر الضحايا، ولاسيّما النساء والفتيات منهم، أمّا أسوأ الأفعال فتلك التي تقع على الأشخاص الذين هم في موقع الضعف الإجتماعي أو المهني أو الوظيفي".
 
وشدّدت الزهيري على أنّ القانون الدولي له حيثيّة في غاية الأهميّة خصوصًا وأنّ لبنان قد وقع على قوانين دوليّة في هذا السياق، ايّ في حال المحاكم الوطنيّة لم تنظر لقضيّة في هذا الخصوص هناك قوانين واتفاقيّات دوليّة يُمكنُ العودة إليها لأنّها تُجبر لبنان بالالتزام بها، قائلة:" نصّت الاتفاقيّة الدوليّة الخاصّة بحقوق الطفل، ولبنان من الدول الموقعة عليها، على العديد من هذه الحقوق، ولاسيّما ما ورد في المادّة 19 منها، ويتعلّق بحقّ الطفل في الحماية من جميع أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنيّة، أوالعقليّة أوالنفسيّة أوالإهمال أو الاستغلال".
 
 
وفي هذا الإطار، عرّفت الزهيري عن اتفاقيّة حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة (1990)، الطفل على أنه:"كل إنسان لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة، ما لم تحدد القوانين الوطنيّة سناً أصغر للرشد". أمّا مصطلح "الاستغلال أو التحرش الجنسي بالطفل" فجاء وفق التعريفات على أنه استخدام الطفل وإخضاعه لممارسة الجنس من قبل شخص يكبره بخمس سنوات على الأقل، سواء كان ذلك بإرادته أو بالقصر والعنف، وبقصد إشباع رغبات المتحرش البالغ أو المراهق. ويتضمن الاعتداء الجنسي أشكالاً مختلفة، منها المجامعة وبغاء الأطفال وتعريض الطفل لأيّ سلوك جنسي، كملامسته أو حمله على ملامسة المتحرّش جنسيًّا، بالاضافة إلى الاستغلال الجنسي للطفل عبر الصور الخلاعيّة والمواقع الإباحيّة".
 
أمّا القانون اللّبنانيّ، يُعاقب القانون المُتحرّش لتصل عقوبته لمدّة لا تنقص عن 6 سنوات، موضّحةً: "كلّ من أكره قاصراً لم يتم الخامس عشر من عمره، بالعنف والتهديد على مكابدة أو إجراء فعل منافٍ للحشمة، عوقب بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن 6 سنوات وفق المادّة 507 من قانون العقوبات، إذ يَعتبر قانون العقوبات اللّبنانيّ، أن أفعال التحرش الجنسي بالأطفال وارتكاب الفحشاء أو الأفعال المنافية للحشمة ضدهم، جرائم جزائيّة تستوجب الملاحقة والمساءلة والمعاقبة، كما يعتبر أن حمل الأطفال على ارتكاب الفحشاء أو الأفعال المنافية للحشمة، جريمة يعاقب عليها القانون".
 
وتابعت الزهيري:" قانون العقوبات اللّبناني  تطرّق في حال كان الجاني من أصول المجني عليه أو أصهاره أو يمارس عليه سلطة شرعيّة، فالعقوبة بالأشغال الشاقة ترتفع إلى مدّة لا تزيد على عشر سنوات، في حال كان القاصر بين الـ15 و18 من عمره وفق المادّة 510 من قانون العقوبات ".
 
ورأت أنّ "مُعظم حوادث التحرّش الجنسي تحصل في منزل الطفل، الذي يكون على معرفة من المعتدي وهو مصدر ثقة من العائلة ممّا يجعله يشعر بالآمان والطمأنينة وهنا تكمنُ المُشكلة الأكبر ونصبح عند حالة سفاح القربى وهي الأشد خطورة ممّا يتركه من تداعيات  نفسيّة واجتماعيّة على الضحية والعائلة في آنٍ واحد".
 
كانت الضحيّة  تصمتُ تخوّفًا من العقاب او التهديد، إلّا أنّ انتشار المجتمعات المدنيّة التي أصبحت  تُكثّف أنشطتها وندواتها  لنشر ثقافة التوجيه والوعي لمُعالجة تلك الحالات كما الجهّات الأمنيّة والتشريعيّة والقضائيّة، فقد لا نستغرب ان يكون المحترّش غريب ولكن الغريب ان يكون المتحرّش قريب ومن أصول وفروع الضحيّة وهنا  المشكلة الأكبر!!!