بعد سقوط «جمال ترست بنك» في المحظور، تتجه الأنظار اليوم الى الإخراج الذي سيقوده حاكمُ مصرف لبنان لإنهاء هذه الأزمة. في هذا الوقت أكد رئيس جمعية المصارف سليم صفير للمودعين أنّ حقوقهم محفوظة، وأن «لا مصارف أخرى موضوعة على جدول العقوبات، فلا صحة للإشاعات أنّ مصارف أخرى ستتعرّض لعقوبات».
 

بعد مرور 8 سنوات على اعتبار وزارة الخزانة الاميركية البنك اللبناني الكندي مؤسسة مالية متورِّطة في عملية تبييض أموال ما استدعى إغلاقه، ها هي وزارة الخزانة الاميركية تضرب من جديد والضحية هذه المرة «جمال ترست بنك». فقد أدرجت وزارة الخزانة الأميركية «جمّال تراست بنك» اللبناني وثلاث شركات تابعة له («تراست للتأمين»، و«تراست للتأمين على الحياة»، و«تراست لخدمات التأمين») على لائحة الإرهاب التي يصدرها «مكتب مراقبة الأصول الخارجية» المعروفة باسم «أوفاك».

في هذا السياق، استغربت مصادر مصرفية كيف يقع «جمال ترست بنك» في هذه المشكلة الآن، لافتةً الى أنّ المصرف عانى منذ فترة من بعض المشاكل الإدارية، ما استدعى تدخّل مصرف لبنان معيّناً مديراً عاماً جديداً للمصرف هو الأمين العام للجنة الرقابة على المصارف سهيل جعفر.

وأكدت المصادر أنّ سهيل جعفر يُعدّ الرجل الثاني في لجنة الرقابة على المصارف منذ 30 عاماً، وهو قدّم استقالته من اللجنة بمعرفة الحاكم وتولّى إدارة المصرف لتنظيم أعماله من جديد، وهنا السؤال المطروح هل يُعقل أن تمرّ عليه هذه المخالفات أم أنّ هناك ظلماً في حق المصرف؟

ورجّحت المصادر أن يسعى الحاكم في الوقت الراهن الى بيع موجودات البنك، ويتردّد أنّ سلامة أبلغ الرئيس نبيه بري بأنّه من الأفضل ان تتم عملية شراء البنك من قبل متموِّلين من الطائفة الشيعية لأنّ غالبية موظفي المصرف ومودعيه هم من الشيعة.

وأوضحت أنه بعد أن تتمّ عملية البيع ستحقق الإدارة الجديدة بكل حساب على أن يتم إغلاق كل حساب مشبوه تباعاً. أما عن أسماء المصارف المرشّحة لأن تشتري «جمال ترست بنك»، فقالت المصادر: هذه الطبخة سرّية، وهنا تكمن أهمية الدور الذي سيلعبه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقدرته بأن يتواصل مع الجانب الاميركي، وخير دليل على ذلك إنهاؤه عملية بيع اللبناني الكندي الى سوسيتيه جنرال خلال عودته من أميركا، فلننتظر ونر كيف سيجد الإخراج المناسب لهذه العملية.

مرقص لـ«الجمهورية»

أما في الشق القانوني، فاجاب رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية المحامي ​بول مرقص​ أنه بعد إدراج جمال ترست بنك على لائحة «أوفاك» أصبحت تعاملات البنك متعذرة سواء داخلياً أو خارجياً لأنه أُدرج على لائحة «اوفاك»، لافتاً الى أنّ البنك اللبناني الكندي ورغم أنه لم يكن مدرجاً على لائحة «اوفاك»، توقف التعامل معه محلياً وعالمياً وربما يكون الأمر أصعب مع المدرجين على لائحة «اوفاك»؟

وشرح أنه بنتيجة قرار «اوفاك» توقفت مقاصة الشيكات المرتبطة بمصرف جمال تراست بنك في مصرف لبنان صباح امس على صعيد محلي، اما التحويلات الى الخارج فأصبحت متعذّرة لأنّ المصارف الدولية مفترض أن تكون أوقفت التعامل مع البنك المذكور وأقفلت حساباته لديها أو يمكن أن تكون جمّدتها، لأنه من المفترض أن تحجز عليها «اوفاك» (مكتب مراقبة الأصول والموجودات الأجنبية التابع لوزارة الخزينة الاميركية).

ورداً على سؤال، أشار مرقص الى أنّ من السيناريوهات المطروحة حالياً أن يتمّ شراء المصرف بحقوقه وموجباته (سواء الحقوق أو الديون العائدة له) من قبل مصرفٍ ثانٍ أو أكثر من مصرف محلي، ولكن دون ذلك بعض الصعوبات وذلك لأنّ تجربة إستحواذ المصارف المحلية الاخرى على ودائع من اللبناني الكندي لم تكن مشجّعة بسبب محاذير أشارت اليها الجهات الخارجية يومها حيال هذه الخطوة.

كذلك هناك صعوبة حالياً في بيع موجودات وديون المصرف بسبب الأوضاع القائمة، وخلافاً لما كان عليه الوضع مع اللبناني الكندي، خصوصاً أنه توجد دعوى في حق المصرف المُدرَج في نيويورك.

وبالتالي، من المفترض أن تترّيث المصارف المحلية في الاستحواذ على هذه الودائع الى حين جلاء الموقف مع مصرف لبنان الذي يتعامل بحكمة ودراية مع هكذا إشكاليات، وربما يكون من المأمول أن يجترح مصرف لبنان آليةً بالتشاور مع وزارة الخزانة الاميركية لكيفية انتقال هذه الودائع الى المصارف المحلية، وهذا الامر سيتطلب بعض الوقت وربما إجراء دراسة دقيقة لهذه الودائع للتحقّق منها.

وقال مرقص: لا أخشى على سلامة الودائع نظراً للتجارب السابقة الناجحة وبسبب حرص الحاكمية وجمعية المصارف على عدم تبديد أيّ وديعة لصالح أيّ مودع من غير الودائع التي تناولتها الخزينة الأميركية.

ولفت الى أنّ هذه الحماية على الودائع ليست مستمَدّة من القانون لأنّ قانون المؤسسة الوطنية لضمان الودائع المصرفية رقم 28/67 الصادر عام 1967 لا يمنح المودع ضمانة بأكثر من 5 ملايين ليرة لبنانية وهي ضمانة زهيدة جداً قياساً على ضمانة الودائع الأوروبية التي تصل الى 100 ألف يورو أو ما يعادلها، بل الى إدراك حاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف أهمية ضمان سلامة الودائع.

وأكد مرقص أن لا تأثير مباشراً لهذا القرار على السوق المصرفي اللبناني، لأنّ حجم البنك المذكور في السوق ضئيل قياساً على إجمالي الودائع وإجمالي الموجودات المصرفية. وأبدى مرقص اعتقادَه بأنّ الودائع محميّة برعاية وحكمة مصرف لبنان لضمان انتقالها على نحو سليم.

أضاف: ليس ما يمنع اليوم عند الاستحقاق أن يطالب أيُّ مودع برصيده، إنما سحب الأموال عبر شيكات ربما من الصعب صرفها بسبب إيقاف التعامل مع شيكات هذا المصرف.

موقف «جمال ترست بنك»

إزاء هذا الاتّهام، نفى «جمال ترست بنك» في بيان «كل الادّعاءات التي «يبدو» أنّ OFAC قد بنت قرارها عليها، مؤكداً التزامه الصارم بقواعد وأنظمة مصرف لبنان، والتزامه بالقواعد واللوائح الدولية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب «وهو أمر لا يتساهل المصرف به».

كما أكد أنه سيتّخذ كل الاجراءات المناسبة لتبيان الحقيقة كما سيتقدم بطلب استئناف لقرار OFAC أمام OFAC كما كافة المرجعيات ذات الصلة، لافتاً الى أنه سيعمل بالتنسيق وإرشاد مصرف لبنان ولجنة التحقيق الخاصة والهيئات الأخرى ذات الصلة في هذا الصدد لحماية مصلحة المودعين وعملاء «جمال ترست بنك».

وفي السياق نفسه، أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في حديث أنّ «البنك المركزي يتابع عن كثب قضية جمال ترست بنك بعد إدراجه على لائحة أوفاك»، موضحاً أنّ «البنك لديه تواجد في المصرف، وكل الودائع الشرعية مؤمّنة في وقت استحقاقاتها حفاظاً على مصالح المتعاملين مع المصرف».

وقال: «السيولة مؤمَّنة لتلبية متطلبات المودعين الشرعيين للمصرف».

بلبلة في الأسواق

قرار وزارة الخزانة الأميركية أثار بلبلة امس في أوساط العملاء، وقد تردّد انّ المصرف امتنع في بعلبك عن صرف رواتب عملائه وإنجاز المعاملات المصرفية لهم، بشكل مفاجئ صباح امس، عازياً السبب إلى إمتثاله لأوامر مصرف لبنان، وطالباً من عملائه المراجعة يوم الثلثاء المقبل».

ولاحقاً أصدرت إدارة «جمال ترست بنك» بياناً أكدت فيه إلتزام المصرف بتلبية جميع أصحاب حسابات التوطين من قطاع عام وخاص من خلال تسهيل عمليات السحب لمعاشاتهم من صناديق فروع المصرف.

وغداة الاعلان عن إدراج مصرف «جمّال تراست بنك» على لائحة العقوبات الأميركية «أوفاك»، جرى امس تداول لائحة بأسماء مصارف لبنانية عدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي على أنه مشتبه بها ايضاً ما أثار موجة من الذعر في صفوف المودعين، وقد سارعت جمعية مصارف لبنان الى إصدار بيان اكدت فيه عدم صحّة مثل هذه الأخبار التي تتناول مصارف لبنانية أخرى، وتؤكّد سلامة مكانتها في النظام المصرفي العالمي بما يتماشى مع القوانين والأنظمة المرعيّة الإجراء محلياً ودولياً.

وتدحض الجمعية أيّة إشاعات مغايرة لهذا الواقع، كما تهيب بوسائل الإعلام كافة توخّي الدقة والموضوعية والعودة الى المرجعيّات المختصّة في كلّ ما يمتّ الى القطاع المصرفي اللبناني بصلة».

وفي هذا السياق، أعلن رئيس جمعية المصارف سليم صفير إثر لقائه رئيس الجمهورية امس انّ الجمعية تعكف على دراسة موضوع «جمّال ترست بنك»، وأكد للمودعين أنّ حقوقهم محفوظة ولا مصارف أخرى موضوعة على جدول العقوبات، ولا صحّة للإشاعات أنّ مصارف أخرى ستنال عقوبات».