«العمل ميزة البشر، فالعمل يؤنسن العبد ويحرره فيما الاستهلاك يؤدي بالسيد الى العبودية» (هيغل)
 

صار واضحاً انّ حالة سوداوية تسيطر على المواطنين اللبنانيين، وتدفع الى التشكيك في امكانية حصول أيّ حلّ قريب أو تغيير. وهذه الحالة هي أخطر مرحلة تصل بها المجتمعات الى شلل كامل يجعلها عاجزة عن القيام بأيّ تغيير.

 

فإذا شاهدت البرامج التلفزيونية، والنشرات الاخبارية، ومواقع التواصل الاجتماعي، تجد القاسم المشترك وهو «النق» والسلبية المفرطة، الى درجة تشعر من يتابع بأنّ لبنان لا يملك أي أفضلية أو ميزة، وانّ كل ما فيه هو فاسد معرض للانهيار وغير لائق، وتصل بالامور الى حدّ المبالغة، فيتحول انتظار أحدهم في مطار بيروت الى تشكيك بلبنان كوطن، وهذا ما هو خطير في الحالة الراهنة.

 

لم أنطلق من هذه المقدمة لأقول إنّ الحال على ما يرام، ولا داعي للانتقاد، لا أنكر المشكلات والمساوئ والإخفاقات، فهذا ما أتكلم عنه يومياً، بل اقول إنه من الخطر السماح بشعور اليأس أن يتغلب على المجتمع والمواطن، المواطن الذي هو اصل كل السلطات السياسية، فهو الناخب وهو مَن يدفع الضرائب وهو الشريك الأساسي والفعلي، والأسوأ انه لا يوجد شعور قومي عامر بأنّ هذا الوطن يستأهل منا محاولة الإنقاذ، او تحويل هذا الغضب العامر الى خطة عمل ومحاولة تغيير او المطالبة أقله بأمور واقعية يمكن الضغط فيها للوصول الى حلول، فالشعارات اليوم التي تتركز «كلن حرامية»، «ما في شي بيتغير»، «بلد ماشي عالخراب».... عبارات وعبارات، واذا سألت أحدهم عن رأيه في حل هذه المشكلات، يجيب بسلبية مفرطة: يحترقوا كلن».

 

باختصار نعاني اليوم ممّا يسمى «المواطنية السلبية» أي اننا نشعر بالمشكلة، ولكننا لا نستطيع تفسيرها ولا نحاول تصوّر حلول لها، لا نغوص في عمق المشكلة ونحاول ايجاد حلول، التفكير والمقارنة في السبل التي توصلت اليها البلدان الاخرى في معالجة مشكلاتها، فنحن شعب لا يقرأ الجريدة الرسمية، المصدر الاول للقرارات المالية والقانونية التي تدخل في صلب حياة كل مواطن، فلمَ يعترض المواطنون مثلاً على انّ الجريدة الرسمية مدفوعة، علماً أنها حق مقدّس للمواطن، يُحاسب المواطن مَن انتخبهم والاسوأ انه لا يعرف لماذا انتخبهم، فهو لم يطّلع على برامجهم الانتخابية وآرائهم الاقتصادية.

 

مجتمع لا يملك رأياً اقتصادياً، هل انت مع تحرير الاقتصاد او ضبطه؟ ما الحل لمشكلة النفايات؟ فتراه يرغي ويزبد حول تقصير الدولة في موضوع النفايات، وهو لم يبدأ حتى بفرز نفاياته المنزلية ويرمي النفايات من السيارة. يعترض على دفع أيّ رسم او ضريبة وهو لا يعرف الفرق بين الضريبة على القيمة المضافة والطابع الأميري، وأسأل ما هي نسبة المواطنين التي قرأت فعلياً الموازنة الحالية؟

 

يبدو أننا اخترنا الاستسلام، وأننا نشعر انّ بلدنا لا يستحق النضال لإصلاح ما يُمكن إصلاحه والخروج من دوامة التعثر الاقتصادي. يقول مارتن لوثر كينغ: «إنّ أكثر منطقة ساخنة في الجحيم محجوزة لمن يبقى حيادياً في أوقات الأزمات الكبرى»، ويقول أيضاً: «إذا لم تستطع الطيران اركض، وإذا لم تستطع الركض إمش، وإذا لم تستطع المشي إزحف، مهما فعلت يجب ان لا تتوقف من المضي قدماً». هذه عقلية البناء والتغيير.

 

علينا أن نتكاتف لإيجاد حلول، النقّ للنقّ لم يعد مسموحاً، نحن مبدعون، أظهرنا إبداعنا حول العالم، ولكن تتملكنا السلبية ما ان ندوس ارض الوطن، علينا أن نبتكر الحلول ونسعى لتطبيقها ونفرض آراءنا الاقتصادية على الطبقة السياسية.

 

فالمواطن هو العنصر الاساسي لأيّ إصلاح في ايّ وطن ومجتمع، فالمواطن الخمول يشجّع السلطة على الفساد وعلى التمادي بالفساد، المواطن الخمول يصنع طغاة، المواطن الخمول والذي لا يُحاسب ولا يتابع التفاصيل يتمّ سوقه كالقطيع.

 

وعلى الحكومة أن تدرك انّ إبقاء المواطن خارج دائرة القرار يسبّب ضرراً لتماسك الدولة والمجتمع، وبالتالي من المهم إشراكه في عملية بناء الدولة واصلاحها، واشراكه في الحوكمة، ففي الكثير من المجتمعات يقيّم الجمهور احتياجاته الخاصة اعتماداً على المشكلات التي يواجهها، ويحدّد المشكلات بشكل واضح ويقدم للنواب تصورات عن تخطيط المشاريع، والأهم يراقب الميزانية. هذا مهم لأنه يحسن إدارة الموارد العامة ويقلل الفساد. كما يجعل السياسيين مسؤولين أمام الأشخاص الذين يخدمونهم.

 

ولكي تتم عملية مشاركة المواطن، يلزم توفير شفافية المعلومات الحكومية. ولذلك نطالب مع كل اشراقة شمس بتطبيق الحق في الوصول الى المعلومات، فالمعلومات هي القوة وتساعد المواطنين في اتخاذ الخيارات الصحيحة. اما غبعاد المواطن عن المعلومة كإبعاده عن صنع القرار هو سبب للفقر، لأنه يحرمه حقوقه وينشئ علاقات قوة غير متكافئة.

 

يجب تدريب الموطنين مجدداً على الديموقراطية والمشاركة. يحتاج المواطنون إلى فهم حقهم في المشاركة في قضايا الحكم. يجب تنفيذ الكثير من التوعية المدنية حول مكان وكيفية المشاركة مع السلطات المعنية المستعدة لاحتضان صوت الشعب.

 

وهذا بدوره يخلق مجتمعات أكثر شمولاً وتماسكاً. وهنا نعود الى التعليم ومناهج التعليم االحالية التي يجب أن تتغيّر فهي لا تعزّز المواطنية بالدرجة الاولى، كما لا تعزّز أسس الفهم الاقتصادي والبيئي والاجتماعي، فيتخرّج الطالب من صفوف المدرسة وهو لا يملك أدنى فكرة عن الأفكار الإقتصادية الأساسية، كما عن حقوقه وواجباته كمواطن.

 

إنّ إشراك المواطنين في الحكم المحلي يزيد من المساءلة وقدرة الأشخاص الموجودين في السلطة على زيادة الوعي وأيضاً يزيد من عدد المبادرات التي تتخذها المجتمعات. يجب أن تكون هناك مساحات مفتوحة، بمساعدة التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي للحوار وتحسين الشفافية وابتكار حلول.

 

إنّ مشاركة المواطن بفعالية تؤدي الى تعزيز الشفافية، الانتاجية، وفعالية الحكومة، كما تعزيز المحاسبة التي تصبح الهاجس الرئيسي للمسؤولين.
يجب أن يستعيد المواطن دوره الرئيسي، فبدل النق مثلاً، مَن يطالب بتطبيق الحق في الوصول الى المعلومات؟ مَن يعرف ما يحصل بوعود «سيدر»؟

 

ما هي الإصلاحات الموعودة من «سيدر» ولم تنفذ؟ مَن قرأ دراسة «ماكينزي»؟ مَن يعرف حقيقة ما يحصل في الكهرباء؟ وأين اصبح تنفيذ معمل دير عمار؟

 

مَن شارك في تشجير قطعة أرض او تنظيف شاطئ؟ من انتسب لأيّ جمعية بيئية او اقتصادية او غيرها بعيداً من التكتلات الطائفية والسياسية؟ مَن انتخب على اساس قناعة تامة ببرامج المرشح وكفاءته؟ مَن ومَن ومَن؟ الى أن يستعيد المواطن ثقته بدوره الحقيقي ويؤمن بأنّ فيه قوة لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ، سيبقى النقّ السلاح الوحيد المتوافر لسوء الحظ.