لا يمكن وصف قرار الجيش بإطلاق النار على طائرتي «درون» إسرائيليّتين، بأنه قرار يمكن أن يُحدث فرقاً في المعادلة العسكرية التي سرت بعد صدور القرار 1701، حيث تخرق إسرائيل الأجواء اللبنانية، بالطيران الحربي والاستطلاعي على مدار الساعة، لكن تكمن اهمية هذا القرار في أنه وضع في الواجهة داخلياً وخارجياً صورة السلاح الشرعي، وهي صورة تساعد في تلافي التصعيد الذي قد ينتج من اعتداء الضاحية الجنوبية.
 

تضع مصادر عسكرية ما حصل ضمن إطار تنفيذ امر أصدره قائد الجيش العماد جوزف عون، الى جميع الألوية في الجيش بالتصدي للطائرات الاسرائيلية ضمن نطاق عملها وبما يتوافر لديها من اسلحة مناسبة، دفاعاً عن مراكز الجيش، وتشير الى أنّ ما حصل تمثل في قيام مركز عديسة بإطلاق النار على «الدرون» الاولى، من داخل المركز اما ما تم توزيعه من صور على وسائل التواصل، فحصل في نقطة مراقبة تبعد عن المركز حوالى 200 متر، حيث قام العسكريون بإطلاق النار من الاسلحة الخفيفة، وهذه الصور وإن كانت لها رمزية معينة، فهي لا تعكس الصورة الكاملة.

واعتبرت المصادر أنّ الامر ليس بجديد على الجيش الذي تعرض عام 2006 لاعتداءات اسرائيلية اسقطت له شهداء وجرحى، والذي بادر الى مواجهة الخرق الاسرائيلي الحدودي بالقوة في العديسة.

واشارت المصادر الى انّ الجيش بحال جهوزية، بعد حادثة الضاحية، وهو يكثف تعاونه وتنسيقه مع قوات الطوارئ الدولية، المنوط بها مراقبة تنفيذ القرار 1701 بمؤازرة الجيش، وهي مهام تنفذ على طول الحدود وفي مناطق عمل قوات الطوارئ من دون ايّ مشاكل تذكر، والعلاقة مع «اليونيفل» لا بديل منها، في اطار حفظ الاستقرار.

 
 

تجاوزاً لقرار قيادة الجيش الرد على الطائرات الاسرائيلية، تقرأ اوساط دبلوماسية هذا التطور من زاوية تعزيز حضور الدولة، انطلاقاً من دور مؤسسة يجمع عليها الكثيرون في الداخل والخارج، كما يجمعون على دورها في ضمان الاستقرار على الحدود، سواء في مواجهة الارهاب على الحدود السورية، او في ضمان تطبيق القرار الدولي على الحدود الجنوبية.

تعود الاوساط الديبلوماسية الى معركة الجرود، حيث أثبت الجيش قدرته على القيام بمعركة نظيفة، على الرغم من التشويش الداخلي الذي تعرض له قبل المعركة وبعدها، فرغم القرار السياسي الذي قيّد يد الجيش، خيضت هذه المعركة، وسجّلت المؤسسة العسكرية في سجل انجازاتها، حقيقة انها تستطيع ضمان الامن في الداخل وعلى الحدود، وقد ترجم هذا الإنجاز الى المزيد من التعاون الدولي والعربي مع قيادة الجيش، وسجلت زيارات هامة لقائده الى اكثر من عاصمة، في ترجمة واضحة لقرار عربي ودولي باعتبار هذه المؤسسة العمود الفقري للاستقرار.

وتكشف هذه الأوساط انّ للجيش دوراً اساسياً في المساعدة على الخروج من ازمة ما بعد طائرات الضاحية، حيث ينظر له بشكل مختلف عمَّن يمسكون زمام السلطة، على الرغم من انه يأتمر بأوامرها، فالجيش أثبت قدرته على تنفيذ اصعب المهمات، وعلى المرور في الكثير من حقول الألغام، دون أن يصاب بسهام اللعبة السياسية الداخلية، وما تشهده من سلبيات.

وتختم الاوساط الديبلوماسية بالتأكيد على انّ المناخ الدولي يستمرّ بالرهان على المؤسسة العسكرية من جهة وعلى القطاع المصرفي من جهة ثانية كون هذين القطاعين، يشكّلان اساس الاستقرار الذي لا يريد ايّ طرف دولي او إقليمي التلاعب به، وبما يتعلق بالجيش، فالمهمة الملقاة على عاتقه اكثر حساسية، في ظل ارتفاع منسوب المخاطر، ودخول لبنان مرحلة تلقّي أزمات المنطقة، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي لا توجد أيّ ضمانة بالخروج منها بشكل آمن.