هناك مشكلة اسمها الشرعية الحالية في اليمن. فشلت هذه الشرعية في كلّ مكان وجدت فيه، بدءا بصنعاء التي لم تستطع المحافظة عليها. هذا يفرض مقاربة جديدة من هذه الشرعية في حال كان مطلوبا بالفعل مواجهة المشروع الإيراني في اليمن.
 

يبدو الكلام عن عودة قوات ما يسمّى “الشرعية” اليمنية إلى عدن مجرّد مبالغات. الوضع على الأرض مختلف إلى حدّ كبير عن تمنيات الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي والمجموعة المحيطة به. فحتّى لو عادت “الشرعية” إلى عدن، ستخرج منها غدا أو بعد غد بسبب حسابات داخلية مرتبطة بالتوازنات في المدينة والمنطقة المحيطة بها.

 

في النهاية، ليس لدى “الشرعية” ما تقدمه لليمنيين، لا في الشمال ولا في الجنوب ولا في الوسط. خصوصا أنّها باتت في قبضة الإخوان المسلمين الذين لا طموح لديهم سوى إقامة “إمارة إسلامية” في عاصمة الجنوب اليمني والمناطق المحيطة بها، على غرار إمارة غزّة التي أقامتها “حماس” في القطاع منذ العام 2007… أو الإمارة الحوثية في صنعاء التي يديرها الحوثيون (أنصار الله) منذ الواحد والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2014.

 

ثمّة حاجة للعودة إلى الماضي القريب للتأكّد أن “الشرعية” ممثلة بالرئيس الانتقالي لم تحقّق في أيّ يوم انتصارا يخدم اليمن الذي يُفترض بها أن تمثله. فشلت في ذلك لسبب يعود إلى عدم امتلاك عبدربّه منصور هادي لأيّ مشروع وطني على صعيد اليمن ككلّ. استعان في 2014 بالحوثيين كي يضع نفسه في موقع قويّ على حساب الرئيس الراحل علي عبدالله صالح الذي يمتلك تجاهه عقدة تتحكّم بكلّ تصرفاته، وتجاه علي محسن صالح الأحمر (قريب علي عبدالله صالح) الذي كان يخشى دائما من قدرته على المناورة ومن قربه من حزب التجمع اليمني للإصلاح، أي من الإخوان المسلمين.

 

نجح عبدربّه تكتيكيا وسقط سياسيا. استخدمه الحوثيون، الذين تبيّن أنّه لا يعرف الكثير عنهم، غطاء موقتا. لم تمض أسابيع على توقيعه اتفاقا معهم في صنعاء بإشراف الأمم المتحدة، التي كان يمثلها جمال بنعمر، حتّى أجبروه على الاستقالة ووضعوه في الإقامة الجبرية قبل أن يفرّ إلى عدن في شباط/ فبراير 2015 ومنها إلى سلطنة عمان.

 

لم يكن يوجد أي سبب كي ينجح الرئيس الانتقالي هذه المرّة في عدن التي يرفض أصلا البقاء فيها. كلّ ما في الأمر أنّه تحول من أجندة ذات طابع شخصي وضعها لنفسه منذ خلافته لعلي عبدالله صالح، إلى أجندة أخرى مرتبطة مباشرة بما يقرّره الإخوان المسلمون. أليست هذه حربا على اليمنيين قبل غيرهم؟

 

أمّا بالنسبة إلى المجلس الانتقالي، فيفترض به أن يتعلّم شيئا من أحداث الأيّام الأخيرة. يفترض به أخذ العلم بأنّ طرحه الانفصال، أي انفصال الجنوب وعودته دولة مستقلة كما كانت الحال قبل أيّار/ مايو 1990، ليس سوى أوهام. ليس بين قادة الانتقالي من يريد أن يعرف أنّ دولة الجنوب، أي “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” لا يمكن أن تقوم لها قيامة يوما. لم يكن تاريخ تلك الدولة، منذ استقلت في 1967، وصولا إلى الذوبان في وحدة مع الشمال في 1990، سوى سلسلة من الحروب الأهلية والمؤامرات الداخلية والاغتيالات بشتى الوسائل المتوافرة.

 

ارتكب المجلس الانتقالي خطأ الخروج من عدن وتوسيع رقعة المعركة. يمكن تبرير الذهاب إلى أبين، نظرا إلى أنها تحمي ظهر عدن عسكريا، لكن الذهاب إلى شبوة كان مثل الذهاب إلى مستنقع وتعمد السقوط فيه. المهمّ الآن أن هناك قدرة على الحدّ من الخسائر ومنع سقوط عدن مرّة أخرى في يد الفوضى التي يمثلها عبدربّه منصور هادي، أو مشروع “الإمارة الإسلامية” الذي يطمح إليه الإخوان المسلمون.

 

بعدما عجزت “الشرعية” عن العودة إلى عدن، ثمة أسئلة لا مفرّ من طرحها: أين كان جيشها عندما كانت هناك حاجة إلى تحرير عدن من الحوثيين في 2015؟ أين هذا الجيش عندما تعلّق الأمر باستعادة ميناء المخا من الحوثيين أيضا، وذلك بعد تهديدهم بأنّه صار في استطاعتهم إغلاق مضيق باب المندب ذي الأهمّية الاستراتيجية بالنسبة إلى طرق التجارة العالمية. هذا التهديد رددته إيران على الفور من منطلق أنّها صارت تتحكّم بمضيق هرمز وباب المندب في آن.

 

قاتلت “الشرعية” في كلّ مكان، لكنّها لم تقاتل الحوثيين. الأكيد، بالنسبة إليها أن ليس ما يدعو إلى تحقيق أي تقدّم لا في اتجاه صنعاء ولا داخل تعز ولا في اتجاه الحديدة. أين كان جيش “الشرعية” عندما صارت أبواب صنعاء مفتوحة أمامه في أثناء المواجهة بين علي عبدالله صالح و”أنصار الله” في كانون الأول/ ديسمبر 2017؟ كان ملفتا وقتذاك أنه لم يحصل أي تحرّك لـ”الشرعية” في اتجاه صنعاء على جبهة نهم، على الرغم من أنّ الحوثيين حشدوا كل قواتهم  داخل العاصمة تمهيدا لاغتيال علي عبدالله صالح بدم بارد.

 

لا شكّ أن الأحداث الأخيرة في عدن ستكون لها انعكاسات على التحالف العربي الذي يشنّ منذ آذار/ مارس 2015 عملية عسكرية اسمها “عاصفة الحزم” أدت إلى منع استيلاء إيران، عن طريق الحوثيين، على كلّ اليمن، وحصر المشروع الإيراني بالمناطق التي لا يزال الحوثيون يسيطرون عليها هذه الأيّام، بما في ذلك مدينة الحديدة والميناء فيها.

 

يتبيّن كلّ يوم أكثر فأكثر أن هناك حلفا ما بين الإخوان المسلمين والحوثيين في اليمن. لكلّ من الطرفين طموحات خاصة به. ليس ما يشير إلى أن لدى الحوثيين اعتراضا على “إمارة إسلامية” عاصمتها عدن، وليس ما يشير إلى أن لدى الإخوان أي مشكلة مع سيطرة الحوثيين على صنعاء والحديدة.

 

ما الذي كان سيفعله جيش “الشرعية” في عدن؟ المرجح أنّه كان سيعمل فقط من أجل تأسيس وضع جديد يسمح بإقامة “الإمارة الإسلامية” التي حلمت بها ميليشيات حزب الإصلاح وتوابعه لدى سقوط عدن صيف العام 1994 في يد القوات الموالية لعلي عبدالله صالح. في تلك المرحلة اضطر علي عبدالله للإقامة أسابيع طويلة في عدن لمنع تعديات الميليشيات الإسلامية على المدينة ومواطنيها. عاونه رجال مثل يحيى المتوكل، أحد أكثر السياسيين وعيا في تاريخ اليمن الحديث، وقد قتل في حادث سير في العام 2003.

 

لن تحلّ عودة “الشرعية” إلى عدن أي مشكلة، لا في جنوب اليمن ولا في شماله. ستزداد الأمور تعقيدا. كانت عودتها في ظل التركيبة الحالية لهذه “الشرعية” ستوقظ كلّ الحساسيات بين أهل الجنوب، وبين أبناء مناطقه المختلفة، خصوصا أن جروح “أحداث 13 يناير 1986” بين أهالي لحج وعدن من جهة، وأهالي أبين وشبوة من جهة أخرى لم تلتئم بعد.

 

هناك بكلّ بساطة مشكلة اسمها “الشرعية” الحالية في اليمن. فشلت هذه “الشرعية” في كلّ مكان وجدت فيه، بدءا بصنعاء التي لم تستطع المحافظة عليها. هذا يفرض مقاربة جديدة من هذه “الشرعية” في حال كان مطلوبا بالفعل مواجهة المشروع الإيراني في اليمن…