بقي الإمام الصدر حاضراً بل الأكثر حضوراً في المشهد السياسي لانتصار ثقافته ثقافة الدولة على ثقافة اللادولة وثقافة السلم على الحرب وثقافة الإعتدال على التطرف وثقافة الإعتراف بالآخر كشريك مساو له لا كناقص أو كذمي .
 
باكراً اعترف السيد موسى الصدر بالدولة ودخل منطقة الحرُم الشيعي فاصطفّ ضدّه جماعات المرجعيات وطلاب الحوزات فانتهكوا حرمته وشنوا عليه حرباً لا هوادة فيها ولكنه امتص عداوتهم وكرههم بلاطفة المتدين الذي يرى في الكافر له أخاً له يحاول لفت نظره لإصلاح ما فيه من عيوب كما بدا له أو كما فسر الأمور وفق بصيرته وليس خصماً يجب تهوينه وتخوينه والدعوة الى قتله بحجة تكفيره كما هو الآن ديدن تجار الإسلام السياسي .
 
كما أن السيد دخل منطقة حرُم اليسار نتيجة اعترافه بالدولة التي اعتبروها مجرد كيان لقيط وجدوه على حدود المصالح الإستعمارية ما بين بريطانيا وفرنسا وهذا ما أوجب عليهم إسقاطه بالقوّة كما كانت دعوتهم المباشرة الى ذلك من بدايات الحرب الأهلية ولهذا شنوا عليه حروباً وأغاروا أكثر من مرة على أدواره الداعية الى إنهاء الحرب كما حصل أثناء اعتصام الإمام الشهيرفي العاملية .
 
بدأ السيد موسى الصدر دوره السياسي من مشروعية الدولة وسيادتها  ومسؤولياتها تجاه الشعب اللبناني بتحسين شروطه الإجتماعية والسياسية وحماية حدوده وحفظ أمنه دون أيّ دعوة الى هدم الدولة كما فعل اليساريون ودون مهادنة للسلطة السياسية التي استباحت الأطراف وزادت من حرمانها دون أيّ أمل بإمكانية نهضوها دون نضال سلمي ركّز عليه الإمام الصدر في مواقفه كافة فكانت حركة المحرومين المهمة التي أوكل إليها مهام النضال حتى لا يبقى محروم واحد في أرضه .
 
 
طعن الكثيرون من أحزاب الحركة الوطنية آنذاك بحركة السيّد الصدر وخونوها والتموا على مواجهتها وكان يقف معهم إسلاميون يافعون من حزب الدعوة قاموا هم أيضاً برمي السيد موسى بأقذر الأوصاف وهذا ما دفع "بالمتدينين" الشيعة الى لباس سياسة مختلفة جذرياً عن سياسة الصدر بحيث أنهم كفروا الدولة واعتبروها مشروع تجزئة وهي تصطدم مع مبدأ الدعوة لقيام الدولة الإسلامية لذا لم ينخرطوا في مؤسسات السيد الصدر بل اصطدموا معها بالحجم المتاح لهم باعتبارهم قلّة آنذاك ولم يكونوا ذات شوكة .
 
بعد الدولة اعترف السيد الصدر بالمقاومة ودعمها ودعا إليها ولهذا أسّس أفواج المقاومة اللبنانية وكان ظهيراً قوياً للقضية الفلسطينية ولمقاومتها ولكنه رفض منطق استباحة الجنوب وجعل أرضه محرقة وفعل تهجير لذا قال بأن حماية الحدود من مسؤولية الدولة  ومن ثم الشعب ولهذا قال للمقاومة الفلسطينية وللعرب شكلوا استراتيجية عربية والجنوب في مقدمة المقاومة ولكن أن تتركوا الجنوب وحده يتحمل عبء الصراع العربي – الإسرائيلي فهذا ظلم  وهذا أيضاً ما فتح عليه النيران من كل اتجاه ولهذا اجتمع تجار العرب عليه كما اجتمع تجار قريش من قبل على جده رسول الله وقرروا قتله فبات الإمام علي عليه السلام في فراشه ليتلقى بصدره غدر سيوف القبائل وكانت عملية إختطاف الإمام في ليبيا مؤامرة عربية ماكرة وخادعة ومُذلة لدول التصدي والصمود التي خافت الإمام فأخفته ولكنه بقي حاضراً بل الأكثر حضوراً في المشهد السياسي لانتصار ثقافته ثقافة الدولة على ثقافة اللادولة وثقافة السلم على الحرب وثقافة الإعتدال على التطرف وثقافة الإعتراف بالآخر كشريك مساو له لا كناقص أو كذمي كما هو إيمان المبشرين بالدولة الإسلامية .