«مياه غير صالحة للشرب». أين تقرأ هذا التحذير؟ تقرأه؛ مرتين أو ثلاثاً، في الطريق إلى الطائف؛ إذ ترى شلال مياه صغيراً يتدفق، وحيداً، من قلب الصخور العظيمة، ويصب فوق صخور عظيمة أخرى، ثم يضيع، حاملاً معه معادنه وأملاحه ووحدته حيث لا أحد يدري منذ متى من السنين.

 


وإذ يحل الغروب على الطائف، تتدافع ألوان الشفق، وتتداخل، ويمتزج الذهبي بالأرجواني، يسابقهما الأحمر والبنفسجي الداكن، فيخيل إليك أنك لا تزال تقرأ في ديوان بابلو نيرودا الأول: «شفقيات». هناك أيضاً، في تشيلي، تكثر الجبال المعدنية ويلوّن الشفق نفسه، بألوان الرمان والعنب والمشمش. وقد أصبح الآن هنا في أواخر موسمه، كثيف اللون والطعم.

 


لم يكتفِ سوق عكاظ بشعرائه. هذا الموسم حلّت في المهرجان أمسية من أبي العلاء المعري، صاحب «رسالة الغفران». وكأنما أريد للأمسية أن تكون غفراناً لشاعر الغفران بعد حظر طويل. وما هي إلا علامة من معالم الصورة الجديدة التي تعبّر عن نفسها في فضاءات المهرجان. الشعر في الخيام المُضاءة، والغناء في القاعة الكبرى؛ من «أصالة» إلى «أحلام» إلى حنجرة الجسمي، ولست أدري لماذا في السنوات الأخيرة لا يأتي المطربون إلا من الإمارات.
بعيداً عن الحفلات نفسها، تصدح في ليالي المهرجان، الأغاني. ولو سَمِعت «إليسا» صوتها هنا على علوّ ألفي متر على طريق القوافل، لما خطر لها الاعتزال، ولما أعارت أهمية لمن سمّتهم «مافيا الفن» في لبنان. فهذه هي طريقتنا في التنظيم. كل شيء له مافياه، ولكل مافيا عرّابها.

 


جاء من «بلاد العرب» أن «عكاظ نخل بأعلى نجد، وهي في وادٍ بينه وبين الطائف ليلة، وبينه وبين مكة ثلاث ليال». وفي الترجمة الحديثة وعالم السيارات الرباعية، بينه وبين الطائف 34 كيلومتراً، أي نحو نصف ساعة بالسرعة الحضارية، أما بالسرعة الأخرى، فلست أدري، والحمد لله الذي أعفانا من التجربة. فهنا أيضاً من يقود سيارته على الطريقة اللبنانية، لكنهم أقلية وليسوا أكثرية ساحقة... بمعنى الكلمة.
كان في بلغاريا سهل مديد يسمى «وادي الورود». والطائف جبلها. وفي هذا الإطار التاريخي الحي والخلاب، يصبح الورد أحد شعارات المدينة، التي صنعت يوماً ألفة لبنان وأنهت حربه. واليوم هناك من ينكرها. إنهم الفرقة التي لا يعني لها الورد شيئاً. فرقة الشوك والعوسج.