لم يكن مفاجئاً موقف الرئيس ميشال عون الذي غطّى فيه رَد «حزب الله» المتوقّع على حادثة الضاحية الجنوبية، فالعماد عون في الرابية هو نفسه الرئيس عون في بعبدا، وهذا الموقف لا يحتاج من وجهة نظر «التيار الوطني الحر» الى تحليل كبير. عون هو عون، ولم يقل ما قاله فقط بناء على التزام حماية المقاومة، بل انطلاقاً من معطيات وقراءات دقيقة للحادثة ونتائجها.
 

تلخّص مصادر «التيار الوطني» خلفية موقف عون بالآتي:

أولاً: إنّ كل من يقرأ معالِم حرب كبرى في لبنان او المنطقة يكون مخطئاً، فالمؤشرات تتحدث عن «ستاتيكو» يتخلله بعض التصعيد من خلال الغارات الاسرائيلية في سوريا والعراق، لكن يبقى كل ذلك مضبوطاً بسقف دولي أميركي وروسي، فيما إسرائيل تنفذ هذه الغارات من دون تسجيل ردود تقود الى حرب كبرى، وهذا الوضع ربما يكون مرشحاً للاستمرار، لكن لن ينتقل الى لبنان بسبب عدم رغبة أي طرف في افتعال مواجهة على المسرح اللبناني.

 

ثانياً: في موازاة حقيقة انّ أي طرف لا مصلحة له في الحرب، لم يقل الرئيس عون أكثر من تأكيد حق لبنان في الدفاع عن نفسه، وهذا الحق تعترف به المواثيق الدولية، وهو يتناغم والتعهد الدائم بحماية سلاح المقاومة، واعتبارها أحد أوجه القوة للبنان، وسبق أن قال هذا الكلام في الامم المتحدة، إذ اعتبر أنّ هذا السلاح هو قوة لبنانية يمكن استعمالها حيث لا تستطيع الدولة ان تدافع. وبالتالي، فإنّ شرعية سلاح «حزب الله» هذه المرة لم تنتظر موقف رئيس الجمهورية، بل أعطاها إيّاه الاعتداء الاسرائيلي على الضاحية. حيث أقرّت اسرائيل، عبر ما نقله وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، انها أرسلت الطائرات للاستطلاع، وهذا يكفي للإقرار بأنّ اعتداء قد حصل امام أنظار المجتمع الدولي، وبأنّ حق الدفاع قد حصل ايضاً بسبب هذا الاعتداء.

 

ثالثاً: تؤكد المصادر انّ الرئيس عون لم يعلن موقفه من فراغ، فبالاضافة الى قناعاته، بَدا كأنه قد حصل على ضمانات جدية (لم يفصح عن مضمونها) بأن لا حرب في الأفق، تُضاف الى هذه الضمانات، تقاطع في التحليل الذي يتقنه رئيس الجمهورية المعروف بأنه قارئ جيد للمعادلة الاقليمية والدولية، صَبَّ كله في اتجاه واحد: لا مصلحة ولا نية لدى أحد بحرب كبيرة.

رابعاً: أيّاً تكن طبيعة الرد على عملية الضاحية فهي لن تتجاوز الحرب المحدودة، تبعاً لكل هذه الاسباب، يضاف اليها المعطى الاساسي المتمثّل ببداية التحضير للحوار الاميركي - الايراني، الذي من المفترض متى بدأ أن يلقي بمظلته فوق المنطقة، بحيث يصعب خلاله الانتقال الى التوتر المُمهِّد للحرب.


في كل الاحوال لم يمر موقف الرئيس عون من حادثة الضاحية مرور الكرام في الداخل اللبناني او في دوائر القرار الدولي، التي اعتبرت انه يشكل خطراً على لبنان بسبب تغطية «حزب الله» الذي يعمل بأجندة إيرانية، وترى أوساط ديبلوماسية غربية انّ عون اعتمد «تفاهم مار مخايل» مرجعاً لسياسته الدائمة، بناء على حساباته بأنّ ايران ستبقى على قوّتها ولن تضعفها العقوبات الاميركية. وبالتالي، فهو سَلّفَ «حزب الله» دفعة كبيرة على الحساب، ستساعده في توسيع نفوذه الداخلي، بعد أن خسر «معركة» حادثة قبرشمون. امّا في الداخل، فالقراءة الاولى تضع موقف عون في خانة تأمين موقع متقدّم للوزير جبران باسيل في السباق الرئاسي، ويبدو أنه نجح بعد هذا الدعم اللامحدود لـ«حزب الله» بتجاوز حظوظ النائب سليمان فرنجية بأشواط، وبتعزيز فرَص باسيل كرئيس الغالبية النيابية المسيحية وكحليف أول للحزب، واستطاع توسيع مسافة الوصول الى بعبدا بفرق شاسع عن المتسابق الثاني، وربما الوحيد.