يعتقد كثيرون أن النساء أقل فسادا ويتمتعن بمعايير أخلاقية أعلى بسبب القوالب النمطية المتجذرة في المجتمع التي تعلم الفتيات أن يكبرن مطيعات وهادئات وصالحات، تلك القوالب النمطية تصنف النساء على أنهن "الجنس الأكثر نزاهة" والأكثر مراعاة للمصلحة العامة.
 
لكن البعض يرى في ذلك الاعتقاد تحيزا جنسيا صارخا للنساء، حيث إن من غير المرجح -وفقا لذلك الاعتقاد- أن تقبل المرأة الحصول على رشوة أو تقدم منفعتها الشخصية على المصلحة العامة، لكن الدراسات أثبتت بالفعل أن إشراك النساء في السلطة هو وسيلة فعالة لمحاربة الفساد.
 
هل حقا المرأة أقل فسادا؟
بحسب دراسة للبنك الدولي بعنوان "الفساد والمرأة في الحكومة"، فإن لدى النساء معايير أعلى في السلوك الأخلاقي، ويبدو أنهن أكثر اهتماما بالصالح العام، حيث خلصت الدراسة إلى أن ارتفاع معدلات مشاركة الإناث في الحكومة يرتبط بمستويات منخفضة من الفساد، ومن ثم فإن زيادة أعداد النساء في السلطة يأتي بفوائد مجتمعية أكبر.

تلك الفرضية أثبتتها دراسة من جامعة رايس بعنوان "الفساد والجنس والسياق المؤسسي"، جمعت بيانات من بلدان العالم لقياس مدى مشاركة المرأة في الممارسات الفاسدة والتسامح معها في مختلف السياقات. تقول الدراسة إن المرأة في البلدان الديمقراطية ذات مستويات الفساد المنخفضة عموما، أقل عرضة للفساد وأقل احتمالا للتسامح مع الفساد من السياسيين الذكور.

وتشير الدراسة إلى أن النساء قد يشعرن بأنهن أكثر ارتباطا بالأعراف السياسية للمجتمع الذي يعملن فيه، لكنها أكدت أن تجنيد المزيد منهن في السياسة في البلدان الأكثر فسادا لن يقلل من الفساد، حيث يكون تأثيرهن محدودا للغاية، ولكن توظيفهن في الخدمة العامة في البلدان الأقل فسادا قد يقلل بالفعل من الفساد الشامل.

ويبدو أن رفض النساء للفساد لا يقتصر على السياسة فقط، بل يمتد إلى مجمل مجالات الحياة العامة، فبحسب منظمة الشفافية العالمية فإن النساء أقل عرضا للرشى في الأعمال التجارية.

إذ كشفت دراسة استقصائية لأصحاب المؤسسات والمديرين في جمهورية جورجيا -على موقع المنظمة- أن الشركات التي تمتلكها أو تديرها نساء تدفع رشى في حوالي 5% من معاملاتها الحكومية، في حين أن النسبة تتضاعف وتصل إلى 11% في الشركات التي يرأسها مالك أو مدير ذكر.

النساء أول ضحايا الفساد
هناك فرضية تقول إن النساء أقل مشاركة في الفساد بأنفسهن، لأنهن أول ضحايا النظام الفاسد، وفقا لمنظمة الشفافية الدولية، إذ إن النظام القانوني الفاسد يعزز التمييز القائم بين الجنسين في العديد من البلدان.

في المجتمعات التي يكون فيها نظام إنفاذ القانون فاسدا، تتأثر النساء والأقليات الأخرى بشدة عند التعامل مع مسائل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والاستقلال المالي وحقوق الملكية والإساءة المنزلية والاغتصاب، فضلا عن العمل والأجور غير المتساوية.

وبحسب البنك الدولي فإن المرأة لم تحصل إلا على ثلاثة أرباع حقوق الرجل القانونية في المجالات التي لها انعكاسات مهمة على الوضع الاقتصادي للمرأة، مثل حرية التنقل وبدء العمل والحصول على أجر والزواج والإنجاب وإدارة الأعمال وإدارة الأصول والحصول على راتب تقاعدي.

تعاني النساء من الفساد إلى حد كبير بسبب علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة، ويزيد الفساد من ديناميات القوة، مما يحد من وصول المرأة إلى الموارد العامة والمعلومات واتخاذ القرار، ويعزز التمييز الاجتماعي والثقافي والسياسي، ويعد الابتزاز الجنسي من أكثر أشكال الفساد قسوة التي تقع المرأة ضحيتها، ويكون نتيجة إساءة استخدام السلطة للحصول على منفعة أو ميزة جنسية، بحسب بيانات مركز ويلسون الدولي للدراسات.

استشراء الفساد يجعل تسعا من كل عشر فتيات في العالم يتوقعن التحرش والتمييز الجنسي في حال أصبحن قائدات أو زعيمات، وفقا لمسح أجرته "بلان إنترناشونال" منشور على موقع رويترز.

قد يكون الادعاء بأن النساء أقل عرضة للفساد من الرجال مثار جدل كبير، ومع ذلك لا جدال في أن زيادة مشاركة المرأة أمر ضروري لحل المشكلة، لأن البحث في الصلة بين المساواة بين الجنسين والفساد أمر ضروري لإيجاد سياسات وممارسات تقضي عليه.