هل كان لقادة الدول السبع الكبار الذين اجتمعوا في مدينة بياريتز بجنوب غربي فرنسا أن يتغاضوا عن الجرح العميق القائم والقادم في الجسد الليبي بدايةً، والذي بات يمثل خطراً هائلاً في الحال والاستقبال لحوض البحر الأبيض المتوسط من جهة، وللأمن والاستقرار العالميين من جهة ثانية، لا سيما فيما يخص القارة الأفريقية، تلك التي باتت ملعباً لحروب الأمم بالوكالة في العقدين الأخيرين، عطفاً على كونها أضحت ميداناً فسيحاً ومتسعاً للجماعات الإرهابية على اختلاف أطيافها وأطرافها؟

 


حين تكون القمة في فرنسا وعلى شواطئ المتوسط، فإنه يصبح فرض عين، لا نافلة، أن يأخذ الشأن الليبي موقعه وموضعه على مائدة النقاش من أجل تدبر الحلول السريعة الناجزة والناجعة لاستنقاذ الدولة الليبية والشعب من براثن الإرهاب الدولي، الذي يتطلع لالتهام ليبيا وتحويلها إلى عراق آخر وسوريا أخرى.

 


عدة أصوات ارتفعت خلال نقاشات اليوم الثاني للقمة كان في مقدمتها الرئيس الفرنسي المضيف إيمانويل ماكرون، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

 


لم يوفر الرئيس الفرنسي ماكرون إطلاق تحذير عالٍ من أن الجميع سيعاني من تدفقات الهجرة، إذا لم يتم التوصل إلى حل للأزمة في ليبيا، وأن منطقة البحر الأبيض المتوسط ستعاني إذا غاب الحل في القريب العاجل، وظهر كأن ماكرون بدا معولاً على التقارب الروسي الفرنسي، لا سيما بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة لباريس، من أجل التوصل إلى بدائل لحلحلة الأزمة الحالية على الأراضي الليبية، كإحدى الأزمات الإقليمية والمؤثرة على مسارات ومساقات السلام العالمي.

 


هل يمكن القطع بأن نظرة الرئيس الفرنسي إلى الأزمة الليبية هي نظرة براغماتية ضيقة محدودة بدرجة أو بأخرى؟
الشاهد أن حصر الأزمة الليبية في إشكالية الهجرة والمهاجرين إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط يمكن أن يباعد بين عمق القضية والحلول المطلوبة، بل إنها قراءة في المعكوس، إذ ليس المهاجرون هم سبب الأزمة، بل الأزمة والصراع على الأراضي الليبية هما السبب في امتلاء حوض البحر الأبيض المتوسط بالغرقى، واحتشاد المئات والآلاف من المهانين والمعذبين من الأفارقة على شواطئ فرنسا وبقية الدول الأوروبية.

 


لا يفوتنا ونحن نراجع المشهد الأوروبي من الأزمة الليبية شيء من المكاشفة والمصارحة حول المواقف الأوروبية، وهل هي صادقة إلى أبعد حد ومدّ في إنهاء الأزمة الليبية من أجل صالح الشعب الليبي الشقيق أولاً، أم من أجل صالحها ومصالحها الاقتصادية أولاً، الأمر الذي يبدو واضحاً، ومن أسف، في التشارع والتنازع الفرنسي الإيطالي في الداخل الليبي، وفلسفة المحاصصة النفعية القائمة، بينهما إن جاز التعبير؟


مهما يكن من أمر المشهد الأوروبي، فقد جاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليضع النقاط على الحروف بوضوح وشفافية ومباشرة لا تنقصها جرأة طرح أبعاد القضية حتى يستفيق أي غافل.

 


وضع السيسي كبار قادة العالم، ومن ورائهم العالم برمّته أمام حقيقة مؤكدة، وهي أن حل الأزمة الليبية يتطلب إرادة سياسية ونيات مخلصة، وكذا تضافر الجهود للقضاء على الإرهاب وإنهاء فوضى الميليشيات، من خلال قطع الطريق على التدخلات الخارجية.

 


ليس سراً يذاع أو يشاع أن مصر تنظر إلى ليبيا بوصفها عمقاً لأمنها القومي، وتعد الليبيين أشقاء قولاً وفعلاً من دون رياء أو كبرياء، وبالقدر نفسه يمكن القطع بأنه ما من دولة أخرى أفريقية أو أوروبية تكتوي بنيران الإرهاب الجاري في ليبيا مثلما تتعرض مصر، ولولا يقظة أبنائها من قواتها المسلحة الباسلة لتأثرت حياة المصريين بجحيم فاعلي الإثم الأمميين المنتشرين في الجسد الليبي، كالخلايا الخبيثة في الجسم البشري.

 


أمام قمة شراكة مجموعة السبع وأفريقيا كان السيسي حازماً وحاسماً من غير مراوغة لا تليق بجسامة المشهد وهول النتائج الكارثية المترتبة على المزيد من الانتظار أو تسويف الوقت، ومحذراً من أن تفاقم الأوضاع في ليبيا لا يؤثر على أمن واستقرار مواطنيها فقط، بل يمتد إلى دول الجوار، جراء التهديد الذي تشكله المنظمات الإرهابية، وحالة السيولة الأمنية المتمثلة في انتشار الميليشيات المسلحة.
الأسئلة أهم من الإجابات، والسيسي يسائل العالم: هل من طريق للخروج من الأزمة الليبية؟

 


لا بد من توافر الإرادة السياسية وإخلاص النيات، للبدء في عملية تسوية سياسية شاملة، تعالج جوانب الأزمة كافة، وفي القلب منها قضية استعادة الاستقرار، والقضاء على الإرهاب، وضمان عدالة توزيع موارد الدولة والشفافية في إنفاقها، واستكمال توحيد المؤسسات الليبية على النحو الوارد في الاتفاق السياسي الليبي.

 


حسناً جداً أن يتناقش كونتي الإيطالي مع ماكرون الفرنسي، وفي حضرة ترمب الأميركي بشأن ليبيا، لكن الأهم: هل هي نقاشات من القلب لإلقاء طوق النجاة لليبيا في الساعة الحادية عشرة من أزمتها، أم أنها دموع التماسيح التي فضحها السيسي في كلمته ذات الرنين الدبلوماسي، والوقع اللاذع واللاسع للمراوغين، فيما ليبيا الشقيقة تغرق في فائض من الفوضى غير الخلاقة تسببها أيادي الإرهاب المجنونة؟