هناك عوامل عدّة في الصراع عليك أخذها بعين الاعتبار والتواضع في تقبُّلها، عِوضاً عن الصراخ ورفع السّبابة
 
يبرع السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله في طمس أهم العوامل والمُحدّدات التي تتحكّم بمجريات الصراع الأميركي-الإيراني في المنطقة العربية والخليج، بما هو صراع نفوذ ومغانم ومصالح حيوية واستراتيجيات قريبة وبعيدة، وهو صراعٌ كما بيّنت الأيام ودلّت القرائن ذو أوجُهٍ عدّة لا يخلو من مواجهات حامية تارةً، وباردة طوراً آخر، فبعد سنواتٍ طويلة من العقوبات والحصار الغربي على إيران جاء الاتفاق النووي عام ٢٠١٥ والذي أبرمهُ الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وأطلق بموجبه يد "الامبريالية" الإيرانية في المنطقة العربية والخليج، ليُعيد الآن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصراع إلى سيرته الأولى، فيلغي الاتفاق النووي مع إيران،  ويُعيد فرض عقوبات اقتصادية ومالية صعبة وخطرة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، متبوعة بتحشّدات عسكرية متبادلة، ووضَع المنطقة بأكملها على حافة حربٍ مدمّرة، يبذل الجانبان (الأميركي والإيراني) جهوداً مضاعفة لتفاديها، وإبقاء الوضع في حال التجاذبات وعضّ الاصابع، وتمهيد الأرض لاتفاقيات جديدة تحكمها التوازنات القائمة. 
 
في هذه الرّقعة الملتهبة من العالم العربي والإسلامي، والذي يتجابه فيه لاعبان أساسيّان(أميركا وإيران)، لا يمكن إغفال دور بعض الدول والقوى والجماعات المسلّحة، والتي تُحرّك كدُمى عند الحاجة وحسب الطلب، منها ما هو في خدمة أميركا كدُول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل، ومنها ما هو في خدمة ايران، كحزب الله في لبنان وحركة حماس في غزّة، والحوثيون في اليمن، ومنها ما هو مستقل في حساباته ومطامعه كروسيا. ويبقى حزب الله هو الطرف الفاعل في المنطقة والذراع الطّولى لإيران على الحدود الجنوبية مع الكيان الصهيونى، لذا، وكلما احتدّ الصراع الأميركي-الإيراني يظهر في الصورة أمين عام حزب الله جاهداً في "تكبير" صورته، و"تضخيم" دوره بما يعتقده مُفيداً لوليّ الأمر والنّعمة في إيران، حتى ظهر في آخر خطابٍ ومشهدٍ له في بلدة "العين" البقاعية كلاعبٍ أساسي في الصراع، يُغرّد خارج "السِّرب" الإيراني ربما، فأخبار باريس وواسطة الرئيس الفرنسي ماكرون قد تفضي إلى إطلاق مفاوضات أميركية ايرانية، أمّا السيد حسن نصرالله فقد ظهر مُهدّداً (على خلفية الطائرات المُسيّرة في الضاحية الجنوبية) بإطاحة القرار الأممي رقم ٢٧٠١ الذي صدر بعد حرب تموز عام ٢٠٠٦، وهذا لو حصل، لا سمح الله، لأدخل لبنان في دوامة حربٍ مدمّرة لا سابق لها،  ولسنا ندري حتى الساعة ما معنى أن يتجاوز السيد حسن نصرالله(وفي سبيل إيران) كلّ الحدود بشطب مؤسسات الدولة وجيشها وأجهزتها الأمنية والإدارية والقضائية والدبلوماسية، وحصر الصراع بشخصه( نيابةً عن حزبه) وشخص رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو، فيطلُبُه للنِّزال والمبارزة، في حين يضع معظم اللبنانيين أيديهم على قلوبهم من منزلقاتٍ خطرة وتهورات لا تُحمد عقباها، ستطيح بما تبقّى في أيديهم من بقايا وطن، علماً أنّ مقدرة تحمُّلهم لأية حربٍ قادمة تكاد تكون معدومة. 
 
 
نعم يا سماحة السيد.. هناك عوامل عدّة في الصراع عليك أخذها بعين الاعتبار والتواضع في تقبُّلها، عِوضاً عن الصراخ ورفع السّبابة،  ولعلّ أهمها وأبرزها مصالح كلٍّ من إيران وأميركا وروسيا وتركيا، وبالطبع إسرائيل،  وحبذا لو تلتفت إلى مصالح اللبنانيين التواقين لحل أزمات الكهرباء والمياه والنفايات وفساد الحكام والمسؤولين ومالية الدولة المتهالكة،  وحبذا لو تقتنع مع أركان حزبكم أنّ اللبنانيين اليوم لا يقوون على تحمُّل تبعات حرب مجنونة يعدنا بويلاتها ومصائبها رئيس وزراء اسرائيل، وهو مُتّهم ،كما تفضلتم سماحتكم، ويُساءل بقبول هدايا، لم يضعها في عهدة الدولة، وتُساءلُ زوجته عن طلب وجبات غذائية سريعة على حساب مكتب رئيس مجلس الوزراء.
أخيراً، رحم الله امرءاً عرف حدّه، فوقف عنده.