التحول الكبير بالغارة الأخيرة يبدو لأنها حصلت بسياق مختلف ولم يتم الابلاغ المسبق عنها والدليل سقوط الشهيدين.
 

تزامن خطاب أمين عام حزب الله أمس، بمناسبة الذكرى الثانية لما يسمى بالتحرير الثاني، و "الانتصار" على الارهاب الداعشي وأخواتها، عبر إبعادها عن الحدود اللبنانية، وإن كان هذا النصر يشوبه الكثير من علامات الاستفهام وما انتهت إليه يومها "معركة فجر الجرود" وترحيل الارهابيين بحماية مباشرة من مقاتلي حزب الله وبباصات مدارس الامام المهدي التابعة للحزب.

 

 

 تزامنا مع تواجد جواد ظريف وزير الخارجية الايراني في فرنسا وقت اجتماع الدول الصناعية السبع الكبرى وعلى رأسهم الرئيس الاميركي دونالد ترامب. 
هذا يعني بأن اللحظة الايرانية والتوجه الايراني هو السعي الحثيث إلى إيجاد ثغرة تفاوضية مع الاميركي بأي ثمن، حتى ولو اضطر ظريف لزيارة فرنسا بدون دعوة مسبقة، كمحاولة منه للاقتراب من الرئيس الاميركي بطريقة غير مباشرة. 

 


وعليه يمكننا القول بأن كل ما جاء في خطاب السيد بالأمس من تهديد ووعيد، لم يستوقف الاسرائيلي  حتى أنه لم يأخذه أصلا على محمل الجد ولم يرتب عليه اي أثر، بل على العكس تماما فالمسيرات الاسرائيلية المعادية لم تتوقف لحظة بعد الخطاب، بل ذهب أكثر بالإغارة على مواقع الجبهة الشعبية في منطقة قوسايا على الحدود اللبنانية السورية.


 
بالعودة إلى خطاب السيد، كان لافتا جدا غياب أي ذكر للدور الروسي في سياق تعداد الاطراف التي ساهمت في محاربة الارهاب، وتم التركيز على دور الجيش العربي السوري والقوات الشعبية التابعة لنظام بشار بالاضافة طبعا للدور الايراني والدعم الايراني المطلق للنظام السوري، والتلميح عرضا لدور الجيش اللبناني (في الاسابيع الاخيرة) .

 

فهذا إن دل على شيء فإنه يدلل على الامتعاض الكبير من الدور الروسي بسوريا، وما يقال عن تفاهمات عميقة وتنسيق ميداني كبير مع الجانب الاسرائيلي، وهنا تحديدا تكمن خطورة التحول بالغارة الاسرائيلية على موقع حزب الله في عقربا جنوب شرق دمشق وسقوط شهيدين للحزب لأول مرة منذ فترة طويلة.


 
صحيح أن استهداف مواقع الحزب في سوريا لم يتوقف، وتكاد تكون دورية، إلا أنها كانت تحدث بعد ابلاغ الجانب الروسي، ويقوم هو بدوره بابلاغ الجانب الايراني وحزب الله، فيصار إلى إخلاء المواقع المنوي استهدافها.

 

 لذا شاهدنا عشرات الغارات على مخازن ومواقع بدون سقوط ضحايا بشرية للحزب (ومن هنا جاء تهديد السيد منذ فترة عن الرد المباشر حال سقوط شهداء بسوريا ) ! 
التحول الكبير بالغارة الاخيرة يبدو لأنها حصلت بسياق مختلف ولم يتم الابلاغ المسبق عنها والدليل سقوط الشهيدين، وهذا يعني احتمال من اثنين، إما أن الاسرائيلي لم يبلغ الجانب الروسي، وهذا ما لا يدل عليه أي مؤشر، وإما أن الجانب الروسي لم يبلغ حزب الله بالغارة مما يعني أن تغيير قواعد اللعبة لم يكن من الجانب الاسرائيلي فقط بل ومعه الجانب الروسي أيضا .

 

لا شك أن السيد نصر الله، على دراية بهذه التحولات الكبرى، وأن اللحظة لحظة لعب الكبار ورسم قواعد جديدة للمنطقة، قد يضطر الايراني نفسه بمجاراتها والخضوع لها مرغما تحت وطأة العقوبات القاتلة، إلا أنه أصر أن لا يبدو أمام جمهوره بغير الصورة التي يرسمها بمخياله .. فجاءت كل تهديداته المتكررة وتصعيده الخطابي في الزمن الخطأ .