فإذا أخذنا كل هذا بعين الاعتبار يمكننا حينئذ القول أن من لدغ من الجحر ليس هو القوات اللبنانية ولا هو سمير جعجع وإنما الذي طعن حقيقة هو لبنان وهو خيار بناء مؤسسات حقيقية.
 
بعد الانتهاء من تعيين أعضاء المجلس الدستوري بمرحلتيها، التعين بالمجلس النيابي ومن ثم التعيين بالحكومة، والنتيجة المتوقعة لكل متابع هي تقاسم الحصص والتسميات بين أرباب الطبقة السياسية المتحكمة بالبلاد واستبعاد من سمته القوات اللبنانية المحامي سعيد مالك عن المجلس الجديد، واستئثار التيار العوني بكامل الحصة المسيحية دون باقي الافرقاء المسيحيين،
بعدها انهالت التحليلات والاقاويل يمنة وشمالا، وتحميل المسؤولية عن عدم دخول القوات "جنة" الدستوري (كما عنونت جريدة الاخبار في إحدى مقالاتها)، ووصف آخرون الامر بالخيانة مرة وبالطعن مرة أخرى وتوصيف الحادثة وكأنها خسارة منيت بها القوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع ووصل الأمر بالبعض للمطالبة باستقالة القوات من الحكومة وتمزيق اتفاق معراب والدوس على التسوية الرئاسية.
 
ولكن لو نظرنا إلى ما جرى ببرودة أعصاب ومن دون انفعال، يمكننا ببساطة ان ندرك جيدا بأن ما حصل لم يكن مستغربا وأن قيادة القوات كانت تتوقعه تماما كما تتوقع أمثاله في القادم من التعينات وأن سياق الأحداث كانت تنبيء عن ما هو حاصل، بدءً مما قاله "وزير القصر د" سليم جريصاتي بعيد التعيين في المجلس النيابي حين سئل عن تبني اسم سعيد مالك فأجاب : "ومَن قال إنّ اتفاقاً جرى على ذلك؟ ومَن وعد فليفِ من كيسه... " 
 
أعتقد جازما بأن قيادة القوات لم تتفاجأ بالنتيجة، وكل ما هنالك أنها عملت جاهدة "للقوطبة" على ما هو مرسوم وما هو مضمر عبر اللقاءات المتعددة وسحب وعود والتزامات اخلاقية من السيد سعد الحريري مرة ومن السيد  نبيه بري أخرى، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على معرفة مسبقة بحالة التغول عند جبران باسيل وأنه حتما سيعمل على إبعاد القوات بأي وسيلة (ومنها ترشيخ شخصيات مسيحية غير مارونية ومطالبة القوات بتبنيها) 
 
المضحك المبكي في هذا السياق، أن تحاصص المجلس الدستوري وما سيليه من تعينات إدارية مرتقبة دأبت عليها هذه الطبقة السياسية منذ عقود وبكل العهود السابقة، يأتي على وقع التصنيف الاقتصادي ووضع لبنان في خانة (ccc) وكل ما يحكى عن انهيار اقتصادي، وفي لحظة إقناع المجتمع الدولي والدول المانحة أن تغييرا وإصلاحا يجري في الادارة العامة بلبنان، 
وعليه، فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ان من سمته القوات اللبنانية يشبه إلى حد بعيد من تسميهم من وزراء ونواب يشهد لمناقبيتهم ونظافة كفهم وكفاءتهم الخصم قبل الصديق وأن المحامي سعيد مالك قد أقر بمميزاته وحسن سيرته عصام سلمان للرئيس عون وما نقل عن غطاس خوري أن التيار الوطني الحر لا يمانع تسميته بل ورحب بالاسم خاصة أنه لا ينتمي فعليا لأي طرف ويتمتع باستقلالية مشهود لها.
 
 فإذا أخذنا كل هذا بعين الاعتبار يمكننا حينئذ القول أن من لدغ من الجحر ليس هو القوات اللبنانية ولا هو سمير جعجع وانما الذي طعن حقيقة هو لبنان وهو خيار بناء مؤسسات حقيقية 
بالختام، نقول لسمير جعجع وخلفه القوات، بأن هذه المحاولة لن تكون الاخيرة ونعلم وتعلمون أن محاولات كثيرة قادمة من اجل الإحراج فالإخراج، وهذا أقصى ما يطمح له الانتهازيون وأصحاب الخيارات التدميرية للبلد، وأن الرد الفعلي والموجع على كل هذا وذاك، هو الاستمرار في قلب الحكومة والنضال أكثر من الداخل والمزيد من فضح أكاذيب المافيا حتى يقضي الله امرا كان مفعولا .