«الحوار أوّلاً» هو شعار بكركي برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. الحوار على الصعيد الماروني الداخلي لتوحيد الموقف، ثمّ الحوار مع الأفرقاء الآخرين على صعيد الوطن. وسيستمرّ الحوار ضمن إطار اللقاء الماروني الموسّع الأخير الذي عُقد في بكركي، إن على صعيد اللجنة المنبثقة منه أو بحوار موسّع آخر أو بلقاء أقطاب. مقتضيات كلّ مرحلة أو استحقاق تحدّد شكلَ الحوار الماروني. أمّا عناوين الحوار العريضة فهي «الشراكة والمناصفة والوجود». ويبدو أنّ مواقف بكركي تتماهى ومواقف العهد الرئاسي و»التيار الوطني الحر»، وتحاول توحيد الموقف المسيحي على مفهوم «الشراكة والمناصفة». فهل تنجح في ظلّ معارضة أبرز الأطراف المسيحية الإنجرار أو الإصطفاف المسيحي خلف مواقف الوزير جبران باسيل «الطائفية والاستفزازية التي تخدم مصالحَه لا حقوقَ المسيحيين»؟
 

تماهي مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، إضافةً إلى مباركة الرئيس عملَ صهره السياسي، لم يعودا موضعَ شك. الشكّ حسمَه الرئيس بإعترافه أنّه يحيل زوّاره «الكبار» و«الصغار» إلى صهره، قائلاً «لا يمكن أحد أن يستعملني للضغط عليه»، ويذكّرهم بأنّ باسيل هو «رئيس أكبر كتلة نيابية ويترأس تكتلاً يضمّ العدد الأكبر من الوزراء في الحكومة... وأنا من جهتي أتركه يدير الحزب ويتصرف بالسياسة التي يراها مناسبة... وعلى الجميع الاعتراف بحجمه».

تغطية مسيحية لباسيل
كذلك، تتماهى مواقف بكركي مع مواقف عون وباسيل، خصوصاً لناحية «مفهوم الشراكة والمناصفة» الذي يصرّ مؤسس التيار ورئيسُه الحالي على تفسيره وتثبيته. وتسعى بكركي الى توحيد الموقف المسيحي حول هذا المفهوم عبر حوار ماروني – ماروني، قبل مناقشته مع الأفرقاء الآخرين في الوطن.
لكنّ جهاتٍ مسيحية معارِضة عهد عون تعتبر أنّ باسيل يستغلّ أيَّ حوار أو تفاهم يهدف لتأمين تغطية مسيحية تشرّع إحتكاره لـ«الحصة المسيحية» في الدولة. وتشير إلى أنّ إقصاء «القوات» عن التعييينات في المجلس الدستوري أوّلُ غيث هذا الإحتكار في الحكومة الحالية، وسبقته قرائن كثيرة في تعيينات واستحقاقات سابقة. إحتكار عون وباسيل الحصة المسيحية في المجلس الدستوري، يُذكّر حسب البعض، بكلام رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، خلال اللقاء الماروني الموسّع الذي عُقد في 16 كانون الثاني الماضي في بكركي، حيث قال فرنجية إنّ «التيار الوطني يريد الثلث المُعطل في الحكومة لاستخدامه بغية الاستئثار مسيحياً بتعيينات المدراء العامين في الدولة وإقصاء «المردة» و»القوات اللبنانية» عن هذه التعيينات».

الإختلاف الماروني يشمل مسائل عدة، وتوحيد الموقف المسيحي حول تفسير المادة 95 من الدستور، حسب الرسالة التي وجّهها عون الى مجلس النواب يجب أن يتمّ قبل 17 تشرين الأول 2019، تاريخ الجلسة النيابية المحددة لمناقشة رسالة الرئيس الذي يفسّر عبارة «مقتضيات الوفاق الوطني» التي تنص عليها المادة 95 بأنّها «مرادف للتعبير المُستخدَم عُرفاً أي 6 و6 مكرّر والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين».

الراعي بارك طلبَ عون تفسير هذه المادة خلال زيارته الأربعاء الماضي في مقرّه الصيفي في قصر بيت الدين. وقبل نحو 48 ساعة من زيارته عون، التقى الراعي في مقرّه الصيفي في الديمان باسيل، حيث كانت المادة 95 موضوع بحث. وقال رئيس التيار بعد الزيارة: «أخذنا الحديث هنا الى الدستور وضرورة المحافظة عليه والميثاقية التي نعيش من خلالها ومن خلال ما هو مطروح في المادة 95 من الدستور». وأعلن «أننا متجاوبون مع أيّ مبادرة للبطريرك في هذا المجال لنوحّد الموقف».

وبعد يومٍ من لقائه الراعي، وضع باسيل المادة 95 على طاولة إجتماع تكتل «لبنان القوي»، بمشاركة رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان. وأكد رئيس التكتل بعد الإجتماع أنّ «خيارنا واضح، نريد الدولة المدنية الشاملة ولنصل اليها لن نتنازل عن المناصفة الشاملة».

الإصرار «العوني» على المناصفة الشاملة وتفسيره للشراكة، يعتبر معارضون أنه «عملية مزايدات»، إذ إنّ «الشراكة الحقيقية تكون بالقرار الوطني الاستراتيجي وليس بعدد الموظفين في الدولة». ويسأل هؤلاء: «المناصفة في نواطير الأحراج ضرورية لكن المناصفة بقرار السلم والحرب والسياسة الإستراتيجية الداخلية والخارجية غير مهمة؟». ويعتبر هؤلاء أنّ «حقوق المسيحيين ليست بالمناصفة في الوظائف، بل أن يرسموا سياسة البلد بالشراكة مع المسلمين».

حوار ماروني حول المناصفة
الإختلافات المسيحية تدفع بكركي للدعوة إلى حوار حول المادة 95 من الدستور، التي ستكون حصراً موضع بحث ونقاش في لقاء، قد تعقده اللجنة النيابية المنبثقة من اللقاء النيابي الماروني الموسّع. فبكركي ومهما كان موقفها، تريد «مناقشتها دستورياً لتوحيد الموقف منها»، حسب ما تؤكد مصادرها لـ»الجمهورية».

وتؤكد أنها «توافق الرئيس عون لناحية أنّ المناصفة يجب أن تكون في كلّ الوظائف وليس فقط في وظائف الفئة الأولى، لأنّ إلغاء الطائفية السياسية لم يتمّ وهناك آلية لإتمامه لم تُنفّذ بعد. وليس من مصلحة الشركاء في الوطن التسرّع بأيّ مواقف في هذا الإطار». وتقول: «ستكون للبطريرك مبادرة على صعيد الحوار يُعلن عنها وعن إطارها في وقتها حسب الظرف والحاجة، فالبطريرك يشعر أنّ هناك ضرورة ملحّة اليوم للحوار والنقاش حول القضايا الأساسية والخلافية التي تتعلق بالعيش المشترك والمناصفة والحضور المسيحي، على قاعدة إحترام الميثاق والدستور، ولكن عبر توحيد الموقف والرؤية المسيحية حيالها ثمّ محاولة توحيد الرؤية الوطنية اللبنانية».

موقف بكركي من المناصفة ليس بجديد، وعام 2013، أعدّت لجنة المتابعة النيابية المنبثقة من اللقاء الماروني الموسّع في بكركي، دراسة قانونية مفصّلة عن تهميش المسيحيين في مؤسسات الدولة، عرضت تفصيلاً للمادة 95 من الدستور. واقترحت تعديل هذه المادة والعودة الى العمل بقاعدة 6 و6 مكرّر في ما خصّ جميع وظائف الدولة بسائر فئاتها.

مواقف الأقطاب
لكن، ماذا عن موقف الموارنة الآخرين الذين شاركوا في اللقاء الماروني الأخير في بكركي؟
«القوات اللبنانية» تبدي تجاوبها مع أيّ مبادرة وهي منفتحة دائماً على أيّ حوار»، وتعتبر أنّ «الحوار حول المادة 95 مطلوب،لأنّ هناك وجهات نظر مختلفة حيالها». وتقول مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» إنّ «القوات مع المناصفة حكماً وهي أكثر فريق سياسي دفع في اتجاه تثبيت وترسيخ وتحصين وإحياء الميثاقية في لبنان». وتعتبر أنّ «تفسير الدستور طبيعي ويجب أن يحصل لكن في ظرف طبيعي وليس في ظلّ تشنّج سياسي، وعندما تكون الدولة سيّدة على كل أراضيها وتملك قرارَها الاستراتيجي، كذلك أيّ تفسير للدستور يحصل بالتوافق تجنّباً لإنقسام مسيحي – إسلامي». وتقول: «يجب تحقيق كلّ هذه الأمور قبل طرح أيّ تفسيرات دستورية لا لزوم لها». وتخشى «القوات» أن «يفتح باب التفسير تأويلات وتفسيرات أخرى وأن يأخذنا إلى مكان آخر لا نريده».

أمّا تفسير «القوات» للمادة 95 فهو أنّ «الدستور ينص بوضوح على مراعاة مقتضيات الوفاق الوطني في الفئات ما دون الأولى، أي أن يكون هناك توازن مسيحي - إسلامي. والقوات مع هذا التوازن. ولو أراد الدستور مناصفة حرفية على غرار مجلس النواب والحكومة ووظائف الفئة الأولى لكان ذكر ذلك».

لذلك، تعتبر «القوات» أنّ «من الضروري عدم الدفع في اتّجاه إثارة حساسيات وفتح الباب أمام تفسيرات أخرى، إذ قد ينشأ ردّ سياسي على المطالبة بتفسير المادة 95 بالمطالبة بإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية». وتسأل المصادر القواتية: «هل يريد الوزير باسيل إلغاء الطائفية السياسية؟ هل يجب فعلاً أن نُقدِم على خطوة من هذا النوع تشكّل خللاً كبيراً على مستوى التركيبة الوطنية في لحظة سياسية حرجة؟».

وعلى عكس «القوات» تفضّل الكتائب عدم التحدث في هذا الموضوع، وستُقدّم تفسيرها للمادة 95 خلال الجلسة النيابية المُخصصة لتفسيرها، وذلك فقاً لقواعد علمية. لكن، رئيس «الكتائب» ألمح إلى موقفه من الشراكة خلال المؤتمر الصحافي الأخير الذي عقده رداً على خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، حيث سأل: «هل الشراكة فقط بالمديرين العامين والوظائف من الفئة الثالثة؟ أين الشراكة في قرار السلم والحرب؟ ألا تعني السلطة؟».

أمّا تيار «المردة» فموقفه واضح في هذا الإطار ومقاربته لهذا الموضوع تختلف تماماً عن مقاربة العهد، إذ يعتبر رئيس «المردة» سليمان فرنجية أنّ المقاربة يجب أن تكون وطنية لا طائفية.

وتقول مصادر «المردة» لـ«الجمهورية»: «نحن مع تطبيق الدستور قلباً وقالباً. ولا نتطرّق إلى موضوع الشراكة والمناصفة من زاوية عدد الموظفين ومَن يملك النسبة الأكبر منهم. فبالنسبة إلينا دور الطائفة لا يُحدَّد من خلال الوظائف، ودور الطوائف المسيحية تاريخياً منذ ما قبل إنشاء لبنان هو دور سياسي وليس مشروع توظيف».

وإذ تسأل: «ما الهدف من جرّ البلد دائماً إلى حالة صدامية؟»، ترى أنّ «وفق هذا المنطق قد يدخلوننا بعدها في حالة صدامية داخل المجتمع المسيحي بين الموارنة والأرثوذكس والكاثوليك، يليها صدام بين الموارنة بعضهم ضد بعض». وتعتبر أنّ «هذا انتحار ذاتي».