دافع الرئيس الاميركي دونالد ترامب عن حروبه التجارية وهاجم مجلس الاحتياطي الفدرالي يوم الاربعاء الماضي، بعد أن بدأت علامات الركود تظهر للمرة الاولى منذ الأزمة المالية العالمية.
 

يقول الرئيس الأميركي في تغريدة على «تويتر»: «مشكلتنا ليست مع الصين انها مع الفدرالي الأميركي الذي دفع بالفوائد عالياً وبسرعة، واليوم يتباطأ بإعادتها الى مستويات متدنية».

وقال محللون، انّ الحروب التجارية تقف جزئياً وراء الاضطرابات في الأسواق المالية، كونها ترفع التكاليف وتلقي الشك على الأعمال والمستهلكين. اضف الى ذلك، تباطؤ النمو العالمي وضعف البيانات الاقتصادية التي ساعدت الى حد بعيد في إثارة المخاوف.

كل هذا جاء مع اشارة اخرى تُنذر بالسوء في سوق السندات، حيث وللمرة الاولى منذ عام 2008 ظهر منحنى العوائد معكوساً Inverted yield curve
وساعد انخفاض العوائد على سندات الخزينة لمدة 10 سنوات في تدني المنحنى 10 نقاط اساسية تصل الى 1,6 بالمائة، وهذا المستوى الأقل منذ العام 2016.

 

وفي هذه الأثناء سقط منحنى العوائد لسنتين 7 نقاط اساسية ليصل الى أدنى مستوياته منذ أواخر عام 2017. وللعلم، يرصد المنحنى على نحو جازم علامات الركود، لأنّه يعطي رؤيته للمستثمرين وكيفية تقييمهم للاستثمارات القصيرة والطويلة الأجل، وما هو نوع البيئة التي يتوقعونها.

 

وكثير من الاقتصاديين يرون في هذه التفرقة بين عوائد الثلاثة الأشهر والعشر سنوات دليلاً للركود والإنكماش، أضف الى ذلك أمور أخرى لا بدّ من التطلع اليها، كالبيانات الاقتصادية الضعيفة في الصين والمانيا وشعور المستثمرين بالقلق من أنّ مجلس الاحتياطي الفدرالي لا يتحرّك بسرعة كافية للحفاظ على النمو الاقتصادي.

الأمر الأخير، والذي يُنذر بالركود، هو النموذج المُستخدم في المجلس الاحتياطي في نيويورك لحساب احتمالات الركود خلال الأثني عشر شهراً المقبلة، والذي بلغ 32 بالمئة، وهو اعلى مستوى لها منذ العام 2009 .

وللعلم، جميع فترات الركود التي حصلت سابقاً جاءت عندما تجاوز النموذج 30 بالمئة. لذلك نشاهد وللمرة الأولى حملة لم يسبق لها مثيل على مجلس الاحتياطي الفدرالي المستقل خلال السنة الماضية، مع محاولات ترامب الضغط على الفدرالي لخفض اسعار الفوائد، ومحاولته وضع السياسيين حلفائه في مراكز القرار - يوم الأربعاء الماضي دعى المستشار التجاري بيتر نافارو المجلس الفدرالي الى عقد اجتماع طارئ وخفض اسعار الفوائد بشكل جذري - وحسبه دائماً، أنّ التقلّب الذي نراه اليوم في منحنى العوائد يرسل اشارة اخرى الى أنّ مجلس الاحتياطي الفدرالي عليه أن يقوم بذلك وعلى الفور. ولا يجب هنا أن نعفي ترامب من مسؤوليته والنزاعات الجمركية التي أثارها والتي تهدّد بتدمير الازدهار الذي حصل في فترة رئاسته، الأمر الذي استدعى البيت الابيض الى تأجيل جزء من مخطط التعرفة. واعترف ترامب بذاته بأنّ هذا قد يؤدي الى أضرار تُلحق بالشركات الاميركية والمستهلكين.

 

هنا تبدو الصورة الاميركية حرباً واضحة بين ترامب ومستشاريه وجيروم باول ومعاونيه. وعلينا الانتظار حتى أيلول لنرَ كيف ولأي مدى سيتجاوب باول مع دعوات ترامب المتكررة الى خفض اسعار الفوائد. أضف الى ذلك، حرب التعريفات الجمركية، والتي اعترف بها ترامب، من انها قد تؤدي الى أضرار للاقتصاد الاميركي، وعدم تناغمه سياسياً واقتصادياً مع الدول الصديقة والحليفة.

كل هذا والوضع العالمي ليس على ما يرام. وكثيراً ما يتساءل المحللون اذا ما كانت هنالك أزمة تلوح في الأفق. والعديد من الاقتصاديين يقولون إنّ العوامل المتداخلة من تراجع الاقتصاد الألماني (لاسيما في صناعة السيارات) والحرب بين الولايات المتحدة والصين حول التجارة الحرة، وامكانية خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي بشكل غير مرضٍ قد يجرّ العالم ومعه أوروبا الى ركود لم تره لا أميركا ولا ألمانيا ولا الصين، منذ فترة لا بأس بها.


على سبيل المثال لا الحصر، الأيام والأسابيع الأخيرة جلبت قدراً وفيراً من المؤشرات السلبية للاقتصاد الألماني، إن كان في الصادرات او في التصنيع. وقد يكون السبب الرئيس هو النمو العالمي وتباطؤ التجارة، ولكن أيضاً التوترات السياسية، مثل المخاوف من اي صفقة تخصّ الـ Brexit وخروج بريطانيا من الاتحاد، كذلك تصعيد النزاعات التجارية مع الولايات المتحدة.

وحسب كبير الاقتصاديين في Brzeski ING Carsten انّ النزاعات التجارية وعدم الاستقرار العالمي وأخيراً في قطاع صناعة السيارات، أثرّت بشكل مباشر على الاقتصاد ألألماني . والخوف قد يكون من أن أي انكماش في ألمانيا قد ينعكس تلقائياً على الكتلة الأوروبية بأجمعها.

باختصار، إنّ «ألمانيا على حافة الانكماش» حسب كبار الاقتصاديين، والأمر يسري على عديد من الدول الأخرى، لاسيما بريطانيا وايطاليا والبرازيل والمكسيك وهي من أكبر 20 اقتصاداً في العالم، كذلك سنغافورة وهونغ كونغ تعانيان من المشكلة نفسها.

ويمكن القول الشيء نفسه على الصين، والتي تعاني من أكبر تباطؤ في النمو منذ ثلاثة عقود، لاسيما بعد حربها التجارية مع الولايات المتحدة التي تهدّد بفرض ضرائب جديدة على الصادرات الصينية في أيلول وكانون الأول المقبلين.

لذلك، تكون الصورة واضحة نسبياً حول العالم مع هذا التراجع في النمو والذي نعزوه لمزيج من العوامل، الأمر الذي دفع الى هذا التراجع والتباطؤ وجعل الأمور تسير نحو الأسوأ. وهذا الأمر نبّه اليه صندوق النقد الدولي الذي حذّر من أنّ النمو في العام 2020 قد يتراجع بنسبة مئوية تبلغ نصف نقطة، لاسيما اذا ما بقيت الحال بالشكل الذي هي عليه الآن.

المتخصصون في الشؤون الاقتصادية يعزون الأمر الى عاملين مهمين:

1- سياسة ترامب التجارية، والتي ان غيّرها قد تغيّر ملامح الأزمة وتحدّ من عواقبها.

2- عدد كبير من الدول تواجه أزمات سياسية داخلية، لاسيما مع خروج بريطانيا، ومع الأزمة في ايطاليا، حيث هناك دعوات الى انتخابات مبكرة. وغيرها من الدول التي تعاني الأمور نفسها .

لذلك، يمكن القول انّ الفكرة الأساسية والتي هي عدم الاستقرار العالمي السياسي والاقتصادي هو وراء هذا التباطؤ، والحل يكمن في جملة أمور قد يكون أهمها تراجع ترامب عن سياسته التجارية والخروج المدروس من الـBREXIT. هذا هو العالم اليوم. والطفرة التي شهدناها بعد الأزمة المالية العالمية قد تكون شارفت على نهايتها.