خفض التصنيف يرفع تكلفة اقتراض الدولة اللبنانية ويزيد من تأزم وضع البلاد الاقتصادي.
 
يترقب السوق المالي في بيروت ما سيصدر قريبا من كبرى المؤسسات الدولية المالية بشأن الوضع المالي للبنان، بما سيؤثر على مستويات تعاملاته المالية مع العالم.
 
وتوقعت وكالة بلومبيرغ أن يتم خفض التصنيف الائتماني، مما يضع السندات اللبنانية في فئة تعتبر غير قابلة للدفع وفق مؤسسة “غولدمان ساكس غروب”. ويوضح خبراء في الاقتصاد أن لبنان ينتظر بقلق نتيجتي تصنيف “فيتش” و”ستاندرد اند بورز”، إلا أنهم يعتقدون أنه لن يكون هناك تأثير كبير على السوق خلال هذين الأسبوعين.
 
في حال تمّ خفض تصنيف لبنان الائتماني من قبل وكالة ستاندرد أند بورز، المؤمل صدوره في الثالث والعشرين من أغسطس الحالي، بعدما خفضت موديز في يونيو الماضي التصنيف، تكون بذلك المرة الأولى التي يتم فيها الوصول إلى درجة C من قبل وكالتين دوليتين كبيرتين، الأمر الذي سيترك تداعيات وخيمة على البلاد منها رفع تكلفة اقتراض الدولة اللبنانية. وسارعت السلطات اللبنانية إلى الطلب من ستاندرد أند بورز، التروي ومنح لبنان فرصة أخرى كونه يسير على خط الإصلاحات وخفض العجز.
 

ونقلت مصادر إعلامية لبنانية عن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري قوله إن لديه شعورا وانطباعات “إيجابية” بخصوص تقرير تصنيف ائتماني سيادي من المتوقع صدوره في وقت لاحق هذا الأسبوع، لكنه لا يملك أي معلومات.

لكن بعض خبراء المال يعتبرون أن هذا التصنيف لن يؤثر كثيرا على الوضع الحالي، وأن مصرف لبنان وجمعية المصارف قاما بالحسابات المناسبة للحفاظ على التوازن المطلوب.

ويحذر هؤلاء من أنه إذا لم يتم أخذ الإجراءات اللازمة وسريعا خلال إقرار موازنة 2020 فسيقع لبنان بمأزق كبير. واعتبر مراقبون أن زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى واشنطن كانت إيجابية على المستوى الاقتصادي والمالي.

وقال الحريري في أحد تصريحاته “سمعت مديحا لا مثيل له لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وللبنك المركزي”. ويصف مراقبون موقف واشنطن بالإيجابي حيال التزام سياسة حاكميّة مصرف لبنان وأداء المصارف اللبنانية بالتعاميم الدولية وبمضمون قانون العقوبات الأميركية، بما يدحض أي ريب أو شكّ.

وقالت مصادر مصرفية لبنانية إن موقف الولايات المتحدة تجاه لبنان طبيعي ومنتظر إذ لا إجراءات فاقت التوقعات خلال زيارة الحريري إلى واشنطن، بل إن الولايات المتحدة أبدت اهتمامها بالوضع الاقتصادي في لبنان، إن لجهة ترسيم الحدود البرية والبحرية، أو لجهة اهتمامها بمشاريع البنى التحتية لاسيما الكهرباء.

ويؤكد لبنان أن هناك خطة إنقاذية قادرة على النهوض من هذه الأزمة لكن المهم أن تتفق كل الكتل النيابية عليها. وقال محللون في غولدمان بمن فيهم فاروق سوسة في مذكرة الأسبوع الماضي “التدهور المستمر في موقف السيولة في لبنان يشير إلى انخفاض محتم”.

ودعّمت الحكومة مطلبها بالتروي، في اجتماع بعبدا الشهير للرؤساء الثلاثة في حضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والذي نشر أجواء إيجابية. ومنذ ذلك اليوم تتوالى التصريحات التي تشدّد على أهمية تنفيذ الإصلاحات لاسيما الالتزام بتطبيق موازنة 2019.

وللمحافظة على استقرار مقرضيها والدفاع عن ربط عملتها بالدولار، يعتمد لبنان على الودائع المصرفية، ولاسيما من الملايين من اللبنانيين المقيمين في الخارج، مع استخدام البنك المركزي لما يصفه “الهندسة المالية” للحفاظ على تدفق العملة الصعبة.

وعلى الرغم من أن هذا الجهد الأخير في أواخر يونيو قد ساعد في دعم الأصول الأجنبية في الاحتياطيات، إلا أن نموّ الودائع أصبح سلبيا في شهر مايو للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، وفقا لـ”غولدمان ساكس”.

وتقول وكالة بلومبيرغ إن قلق المستثمرين بشأن آفاق لبنان قد ظهر في السوق. فقفزت مخاطر الائتمان المقاسة بمقايضة العجز عن سداد الائتمان، 327 نقطة أساس منذ بداية العام وارتفعت إلى أكثر من 1000 نقطة لأول مرة في أغسطس.

ويعول اللبنانيون على الاستجابة لطلب بيروت تأجيل التصنيف. ونقل عن مصادر المصرف المركزي أنه نتيجة هذا الطلب فمن المحتمل أن عدم خفض التصنيف من قبل ستاندرد أند بورز وارد، وهناك إشارة من تلك الوكالة إلى احتمال تأجيل التصنيف. وأملت هذه المصادر أن يتحقق ذلك، خصوصا مع تفاقم الضغوط التي يرزح تحتها لبنان مع وجود مليون ونصف المليون نازح، وتصاعد وتيرة البطالة وتعميق هوّة جمود القطاع السياحي في ظلّ غياب السيّاح العرب.

غير أن محللين اقتصاديين في لبنان اعتبروا أنه من الصعب جدا حصول التأجيل، ولفتوا إلى أن لبنان يرسل إشارات إيجابية إلى وكالة التصنيف على صعيد ضبط العجز في الموازنة العامة، أو تحريك ملف إنشاء الهيئات الناظمة علّها تأخذ مضامينها في الاعتبار. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع عبء الدين العام في لبنان إلى ما يقرب من 180 بالمئة من الناتج الاقتصادي بحلول عام 2023.

وكانت ستاندرد آند بورز، قد خفضت النظرة المستقبلية للبنان إلى سلبية في مارس الماضي، وقالت إن تصنيف البلاد يمكن تخفيضه خلال العام المقبل “إذا تسبب الركود السياسي في ارتفاع العجز المالي في حين أن تدفقات ودائع النظام المصرفي -مصدر التمويل الرئيسي للحكومة- أبطأ”.

وفي شهر يوليو، أقر لبنان ميزانية تأخرت لعام 2019، والتي وصفت بأنها الأكثر تقشفا في تاريخ البلاد على أمل إرضاء المستثمرين والجهات المانحة وشركات التصنيف.

وتقول وكالة بلومبيرغ إن العقبات السياسية ليست جديدة على لبنان، لكن هذه المرة يمكن أن تؤخّر تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية العاجلة. فلم يتجاوز معدل النمو الاقتصادي في لبنان الـ1 بالمئة في السنوات الخمس الماضية، ويتوقع أن يبلغ 1.2 بالمئة في عام 2019، وفقا لوزير المالية علي حسن خليل، فيما حدد محافظ البنك المركزي رياض سلامة هذا النمو في يونيو عند مستوى الصفر هذا العام.