وان الادارة الاميركية عازمة وجادة على نفض الغبار عن الملف اللبناني بكل تشعباته من التوازنات السياسية، مرورا بالوضع الاقتصادي واستخراج النفط والغاز وتموضع لبنان في اللعبة الاقليمية وخياراته، وصولا الى ترسيم الحدود مع اسرائيل.
 
طفى على السطح من جديد موضوع التفاوض غير المباشر مع العدو الاسرائيلي  بهدف التوصل الى ترسيم الحدود وتفعيل البند العاشر من الاتفاق 1701 عبر الانتقال من حالة وقف الاعمال العسكرية الى حالة وقف لاطلاق النار، 
صحيح ان هذا الملف عمره حوالي خمس سنوات، وكان يسير بوتيرة بطيئة وباردة بحسب الظروف والمعطيات المحيطة به، وكانت المباحثات تجري بشكل متقطع بين الطرف الاميركي من جهة، والرئيس نبيه بري المكلف من حزب الله من جهة ثانية.
 
الجديد بالموضوع، كان في الاشهر الاخيرة، وما شهدناه من زيارات مكوكية للموفد الامركي ساترفيلد، مما يشير بما لا مجال معه للشك بأن ادارة ترامب تولي هذا الملف اهتماما استثنائيا لم نشهد له مثيلا من قبل، مما وضعه على نار حامية وبخانة الاهتمام الجدي حتى لا نقول بخانة واحدة من اولويات هذه الادارة، لاسباب متعددة ليس أقله العمل على حفظ أمن اسرائيل، عبر الانتهاء من حالة اللا حرب واللا سلم على حدودها الشمالية مع لبنان، وبما يشكل اقفال هذا الملف ان حصل من عملية سحب لاهم مبررات سلاح حزب الله ودوره المرتقب في الحرب الباردة الجارية فصولها بين واشنطن وطهران.
 
من بديهيات القول، أن حزب الله وان بدا طيلة الفترات السابقة، انه يتعاطى بايجابية مع مجريات المحادثات، على خلاف ما هو مضمر من محمولاته العقائدية التي لا تعترف بوجود الكيان الغاصب أصلا، فضلا عن الاعتراف بوجود حدود يجب احترامها لهذا الكيان، مما يعني أن كل هذه "الايجابية" لا تعدو اكثر من شراء للوقت بهدف تمرير العاصفة الترامبية على أمل الوصول الى نهاية ولايته الرئاسية بدون التجديد له.
 
إقرأ أيضًا:" نصيحة للسيّد حسن "
 
وحزب الله البارع جدا بشراء الوقت، لا يمانع البتة من وضع مسلمات استراتيجية يؤمن بها ولا يمكن أن يتزحزح عنها على طاولة المفاوضات، تماما كموضوع "الاستراتيجية الدفاعية" ذائعة الصيت، فهو حاضر بأن يناقشها ويتباحث بها ويتفاوض بشأنها ويحاور ويجادل ويمحّص ويفحّص حتى ظهور الامام المهدي، فلا ضير بذلك طالما هذا النقاش لا يترتب عليه أي مستلزمات أو يمكن أن تشكل عقبة فيما يريد وبما يفعل.
 
الرئيس بري، وهو العارف العالم بما يريده الحزب وما يصبو اليه، لم يمانع ان يلعب هو دور تضييع الوقت مع الاميركي خدمة لأهداف الحزب في مرحلة عدم حسم الخيارات عند الجميع ( الاسرائيلي – الاميركي – حزب الله )، وان المرحلة السابقة ليست هي إلا مرحلة جس نبض ليس اكثر، ويمكن وصفها بمرحلة تكاذب الجميع على الجميع، بانتظار لحظة الجد.
 
أُبلغ الرئيس بري اخيرا عند زيارة بومبيو الى بيروت، ان ساعة الحقيقة قد حانت، وان مرحلة الحسم قد حانت ولا مجال بعد اليوم للضبابية، وان الادارة الاميركية عازمة وجادة على نفض الغبار عن الملف اللبناني بكل تشعباته من التوازنات السياسية، مرورا بالوضع الاقتصادي واستخراج النفط والغاز وتموضع لبنان في اللعبة الاقليمية وخياراته، وصولا الى ترسيم الحدود مع اسرائيل، 
عند هذا المنعطف، أدرك الرئيس بري أن دوره قد انتهى هنا، فلا هو قادر على المزيد من المناورة، ولا هو بوارد تبني الاملاءات الاميركية، فقذف بالملف الى احضان الرئيس الحريري، الذي حمله بدوره الى مزرعته قرب واشنطن، وهو يدرك كما الاميركي ان من يملك الكلمة الفصل بهذا الموضوع الكبير والمتشعب هو فقط مرشد الثورة الايرانية السيد الخامنئي ليس الا، مما يعني ان الامور مرهونة بما ستؤل اليه سياقات الاحداث في الخليج، إن تفاهمات فتفاهمات وترسيم، وإن حربا فحرب .