يمكن العثور على آثار الثقافة الإيرانية في الضاحية الجنوبية ببيروت حيث أقام حزب الله دولته. لا شيء هناك من لبنان التاريخي والثقافي سوى اللهجة المتعثرة بروائح التومان الإيراني الكريهة. أتاح نصرالله لإيران أن تقيم قريتها الثقافية خارج حدودها.
 

ليست لدى إيران بضاعة ثقافية تصدرها إلى العالم العربي. لو كان لديها شيء من ذلك لكانت قد غزت به العالم العربي كما فعلت المسلسلات التركية.

 

إيران بلد خاو، قاحل ومتصحّر ثقافيا. لا رواية ولا شعر ولا مسرح ولا فلسفة ولا رقص ولا غناء ولا نحت ولا أفلام ولا مسلسلات تلفزيونية.

 

عبر أربعين سنة من حكم الملالي لم تقدم إيران نفسها باعتبارها حاضرة ثقافية. وهي لذلك لم تقدم للعالم العربي، التي وضعت عين العداء عليه، سوى نوعين من الثقافة متصلين ببعضهما. ثقافة الموت بكل طرقه وأساليبه وثقافة اللطم والبكاء والنحيب والزحف إلى الأضرحة في مشاهد مذلّة. وما بينهما كانت عسكرة المجتمعات الشيعية هي الحل لكل المشكلات.

 

الثقافة الإيرانية الراهنة هي ثقافة تدميرية عُصابية قائمة على هيستيريا الفجائع التاريخية التي تعود في جزء كبير منها إلى مرويات مزوّرة. ثقافة كئيبة هي أقرب إلى أن تكون حفلة عزاء مفتوح على مقبرة.

لقد تم دفن إيران الثقافة باعتبارها جزءا من مخلفات النظام الشاهنشاهي.

 

إيران المرشد والولي الفقيه والمرجعية الدينية والمسيرات الجنائزية والأزمات المزمنة وحجاب النساء والحرس الثوري والميليشيات العابرة للحدود والإنفاق على جيوش من المرتزقة واللهاث وراء التسلح هي إيران الواقع.

 

تلك هي إيران التي صار العالم ينظر إليها باعتبارها خزان بارود سينفجر في أية لحظة لتتطاير منه النفايات. فإيران ليست خزان بارود فحسب، بل هي أيضا خزان نفايات فكرية.

 

ولأن هناك من يبدي إعجابه بإيران، فإن ذلك الإعجاب لا بد أن ينطوي على نوع خطير من الانحراف المرضي. ذلك لأن إيران ظاهرة مرضية في عالمنا المعاصر، لا من جهة اختلافها بل من جهة قابليتها لنقل العدوى. وهي لذلك لا تصلح أن تكون دولة في العصر الحديث ولا في أي عصر ذي طابع وملامح وهدف إنساني. ففي ثقافة الموت التي تنتجها إيران لا وجود للإنسان ولا قيمة له بعد أن تم وضعه تحت رحمة سلطة الخرافة.

 

كانت فتوى الخميني بقتل الروائي سلمان رشدي بسبب روايته “آيات شيطانية”، التي لم يقرأها الخميني بالتأكيد، هي بمثابة فضيحة كشف من خلالها نظام الملالي عن وجهه القبيح وطريقته الظلامية في النظر إلى مستقبل حرية الإنسان على كوكبنا.

 

ذلك لأنه لو طبقت الأسباب التي دفعت الخميني إلى الحث على إطلاق النار على سلمان رشدي لما بقي للبشرية شيء من فنونها الرفيعة. ليس في الرواية وحدها بل وفي المسرح والغناء والشعر والرسم أيضا. وحتى العمارة لن تسلم من القتل، فهناك أيضا عمارة كافرة من وجهة نظر بناة الحسينيات والأضرحة والمقامات التي صارت ملاذات آمنة لفقهاء الجهل.

 

إيران بلد فقير روحيا، بالرغم من أنها لا تملك سوى الادعاء بأن ثقافتها تقوم على تغليب الروحانيات على الماديات. وهي كذبة جاءت في سياق نفاق ديني وسياسي مزدوج من أجل تبرير التخلف العلمي في بلد وضع كل قدراته العلمية في خدمة مشروعه في إنتاج أسلحة الدمار الشامل.

 

لقد تم اختزال روح الشعب الإيراني العظيمة على شكل أدعية معلّبة وجاهزة يتم استعمالها وسائل لغسل العقول وتدمير قدرة الإنسان على التفكير الصحيح والحي والمفيد.

 

يمكن العثور على آثار الثقافة الإيرانية في الضاحية الجنوبية ببيروت حيث أقام حزب الله دولته. لا شيء هناك من لبنان التاريخي والثقافي سوى اللهجة المتعثرة بروائح التومان الإيراني الكريهة. لقد أتاح حسن نصرالله لإيران أن تقيم قريتها الثقافية خارج حدودها.

 

الضاحية مكان بائس تشي مناظره الخارجية بتعاسته الداخلية. وقد تسلمك إلى الجنون المؤقت الأصوات البكائية التي تقرأ المقتل الحسيني بطريقة لئيمة تنطوي على الكثير من الرغبة في جلد الذات والانتقام من الآخر.

 

ذلك ما ربحه لبنان من حصاد إنساني وثقافي بسبب ارتباط حزب الله بإيران.

 

حين حلت الثقافة الإيرانية في لبنان من خلال حزب الله فقد لبنان الثقافي الجزء الأعظم من حريته. فبالرغم من أن مرتزقة حزب الله في المجال الثقافي يحاولون استعراض ميولهم التحرّرية التي تشذ عن فكر الحزب الإيراني المتشدد، غير أن الواقع يكذبهم حين يُظهرهم على حقيقتهم مجرد أدوات للتسلية. ينبغي القول بصراحة إن إيران دولة لا مستقبل لها في ظل ثقافة سوداء ستفني كل من يتّبعها.

 

أما المعجبون بها الذين أخذتهم العزة بالإثم صاروا يسوّقون خيانة العصر على أنها انحياز للعقيدة والثورة، فإنهم يدركون جيدا أن مكائدهم هي جزء من عصر النفايات الإيرانية الذي لن يتمكنوا من فرضه على الحياة.