زينب عثمان-
 
لا تزال مناقشات لجنة الطفل والمرأة النيابية بشأن اقتراح تعديل قانون إلغاء استعمال القوة ودخول المنازل في قضايا تسليم الأطفال، قائمة. إلى حين اتّضاح مسارها وطبيعة التعديلات المطروحة، تفيد المعطيات بأن «التعقيد القانوني» المحيط بالمادة 845 من قانون أصول المحاكمات المدنية «يعرقل» عمل اللجنة، التي تسعى لإيجاد حلول تحفظ مبدأ «مصلحة الطفل الفضلى»
 
لم تكن سلمى قد أتمّت الخامسة بعد، حينما طرق عناصر من قوى الأمن الداخلي باب منزل جدّيها من أمها، بهدف تسليمها قسراً إلى والدها. نهاية العام الماضي، بعيد إتمام طلاق والديها، عادت الأم إلى كنف بيت العائلة، وأبقت صغيرتها برفقتها بانتظار أن تفصل محكمة بعبدا الشرعية الجعفرية في النزاع القائم حول حضانة الطفلة. لكن النزاع انتهى سريعاً لمصلحة الأب. ولأن الأم كانت على غير دين طليقها، سُلب منها تلقائياً حقها في حضانة طفلتها، وكأن التمييز الجندري في الحقوق، المتأصّل في أحكام قانون الأحوال الشخصية، لم يكفها، حتى يطالها أيضاً التمييز على أساس الدين. لكن القانون هو القانون.
 
واحتكاماً به، انتزع الأب «وصايته» على سلمى التي كانت تخاف صراخ الرجل الذي شاهدته مرة يرمي والدتها بإكسسوار المنضدة بعد خلافٍ حاد. لم يسعفها بكاؤها ولا استجداؤها لجدتها، عندما «عرّج» والدها، برفقة القوى الأمنية ومأمور التنفيذ، ليأخذها «بالقوة». هكذا تسود العدالة ويطبق القانون. وباسمه، تمكن الأب من «تأديب» زوجته السابقة وتصفية حسابات شخصية، من دون اعتبار للآثار السلبية الناجمة عن ترهيب طفلة لم تهتدِ بعد الى معنى النزاعات الأسرية.
 
بعد عام من التسليم القسري، تتحدث الأم، التي ترى ابنتها يوماً واحداً في الأسبوع، عن وضع نفسي «صعب» للطفلة كان يمكن تفاديه لو أن طليقها منحها بعض الوقت لتهيئتها نفسياً. «كان يمكن أن تذهب ابنتي معه بلا خوف أو صخب»، لكنه فضّل أن «يستقوي علينا بالقانون وبالدّرك». وتبدي استغرابها من قوانين الأحوال الشخصية التي لا تراعي مصلحة الأطفال بالدرجة الأولى، خصوصاً أن مفاعيلها تتضارب مع ما تنص عليه اتفاقيات حقوق الطفل الدولية التي وقع عليها لبنان.
 
انطلاقاً من هذا التضارب، تقدمت النائبة بولا يعقوبيان، نهاية العام الماضي، باقتراح قانون يقضي بإسقاط البند الثاني من المادة 845 من قانون أصول المحاكمات المدنية، الذي يجيز «تنفيذ الحكم الصادر بضم الصغير أو حفظه أو تسليمه إلى الأمين قسراً ولو أدى ذلك إلى استعمال القوة ودخول المنزل». وفي آذار الماضي، بدأت لجنة المرأة والطفل النيابية أولى جلساتها لمناقشة الاقتراح، وأعلنت شروعها بإجراء «دراسة مستفيضة لوضع معايير لتنفيذ القرار القضائي الملزم على نحو لا يؤذي مشاعر الطفل ويترك لديه آثاراً نفسية خطيرة»، كما جاء في بيانها. بيد أن النقاشات المستمرة حتى الآن،
 
بحضور «قضاة ومختصين»، لم تفضِ إلى نتائج تُذكر بسبب «تعقيدات قانونية ما زالت تعرقل النتيجة التي نطمح للوصول إليها»، حسب رئيسة اللجنة، النائبة عناية عز الدين. إذ أن «إلغاء أي مادة قانونية يستدعي أن يكون ثمة بديل عنها»، ذلك أن المادة 845 «تستند إلى قانوني أصول المحاكمات المدنية والموجبات والعقود اللبناني». وهذا «التعقيد القانوني» يتطلب، وفق عز الدين، «مزيداً من المناقشات»، التي قد تتمخّض عنها «منظومة قانونية تكون في صالح الطفل، بغض النظر عن الجهة الموكلة بالحضانة».
 
 
من وجهة نظر قانونية، يكرر المحامي المتخصص في المرافعة حول قضايا النزاعات العائلية، شوكت حويلا، مسألة التعقيدات القانونية التي تتطلب دراسة معمّقة، لكنه يشدد على أهمية أن «يتضمن أي تعديل ضوابط بالتنفيذ»، كأن يتم تسليم الأطفال بحضور ما يعرف باسم «مندوب الأحداث». لا يؤكد الحقوقي ما إذا كان هذا الخيار يندرج ضمن خطة لجنة المرأة والطفل أم لا، لكنه يطرح خيار «المندوب» درءاً لأن «يصبّ أي تعديل غير مدروس في مصلحة المحاكم الشرعية والروحية»، التي تسعى «لأن يصبح موضوع تسليم الأطفال محصوراً بها ويخضع لسلطتها، في حال تم التخلي عن سلطة القوى الأمنية المضمونة بحسب النص الموجود حالياً».
 
«مصلحة الطفل الفضلى» أولاً
 
عام 1991، صادق لبنان على اتفاقية حقوق الطفل التي تشترط المادة الثالثة منها تطبيق مبدأ مصلحة الطفل الفضلى في جميع الأحكام المتعلقة بالأطفال. لكن المبدأ يكاد لا يطبّق في لبنان، خصوصاً في قضايا الحضانة، حيث تختلف الأحكام باختلاف محاكم الملل والطوائف، التي تطبق كل منها قوانينها الخاصة. وفي خضم هذا التعقيد الذي ترافقه تعقيدات أخرى، يشدد حويلا على ضرورة أن تلحظ التعديلات المقترحة آلية تسليم بـ«أقل الأضرار الممكنة على صحة الطفل النفسية والعقلية والجسدية». 
 
وهي آلية تستوجب، بحسب رئيسة قسم علم النفس في جامعة البلمند نائلة نحاس، «تهيئة الطفل نفسياً حول كل ما يتعلق بتفاصيل طلاق والديه أو الحضانة»، أي قبل تنفيذ قرار التسليم. تولي نحاس اهتماماً كبيراً لعنصر العمر لدى الطفل، الذي تتحدد وفقه «طريقة إطلاعه على قرارات الانفصال والحضانة، لناحيتي كمية المعلومات وأسلوب الحديث». وهو أمر يتطلب «اختصاصيين وخبراء في علم نفس النمو أو مساعدين اجتماعيين لإعداد الطفل تدريجياً، فضلاً عن التناقش معه حول علاقاته مع أفراد عائلته الذين استحصلوا على حق الحضانة».
 
والحال أن ما تقترحه نحاس لم يتضح بعد ما إذا كانت التعديلات المقترحة من قبل لجنة المرأة والطفل ستلحظه، لكن الاختصاصية ترفض تماماً مبدأ العنف الذي تكرسه المادة 845، والذي يتجلى بما تمثله صورة عنصر قوى الأمن المهيبة في ذهنية الطفل. «في حال دخوله القسري مع أو من دون سلاح إلى المنزل، تنمو لدى الطفل صورة سيئة وعنيفة عن واقع المجتمع الذي نعيش فيه». وبرأيها، يؤسس هذا العنف لشعوره الدائم بعدم الأمان على نحوٍ «يعيق تماماً نموه السلمي».