يستنتج سياسي لبناني من كلام الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في ذكرى عدوان تموز، أن الحزب يؤكد مرجعيته الإيرانية ويعلن بوضوح انه إحدى قواها أو أذرعها في المنطقة، وهو ماضٍ في إرساء هيمنته في الداخل اللبناني وقراره المستند إلى فائض القوة. كان نصرالله واضحاً وأكثر صراحة في إعلان القوة بقوله: "نحن في الداخل اللبناني، لا نتصرف من موقع المنتصر ومن موقع فائض القوة، نحن في الداخل نريد ان يتعاون الجميع، ولم نكن نوافق على إلغاء أحد أو شطبه". هذا يعني وفق السياسي أن "حزب الله" بفائض قوته يمكنه أن يقلب الطاولة في أي وقت إذا ما توافرت الظروف التي تسمح بفرض القوة، علماً أن القرار في البلد لا يسير من دون موافقة الحزب المطمئن الى تحالفه مع العهد و"التيار الوطني الحر".

 

ليس السؤال اليوم ماذا لو انتصر المحور الآخر، إذ إن الكل يعلم أن الصراع القائم في المنطقة لا يحتمل الكثير من التحليلات في أن "حزب الله" مثلاً هو الأكثر قوة وهو الذي يمضي في مشروع إقليمي ويشارك في ساحات عدة. ويتبين من كلام نصرالله أنه حين يدعو إلى عدم إلغاء احد في بعض الطوائف او المناطق، واحترام الأحجام التي افرزتها نتائج الانتخابات النيابية، فإنه يؤكد قدرة الحزب على اختراق البيئات الطائفية الأخرى، إلى حد التصرف في داخلها من موقع القوة لولا أن الأمور أخذت اشكالاً مختلفة من الصراع والتوازنات في المرحلة الأخيرة، على ما شهدناه في الجبل وفي مناطق مختلفة، ليثبت الحزب أن لديه فائضاً أيضاً فيها.

 

جزء من كلام نصرالله الذي تركز على الولايات المتحدة الأميركية، كان يحمل رسائل الى رئيس الحكومة سعد الحريري. يتصل الأمر بتسوية أي نزاع حدودي أو ضبطه، إذ إن ترسيم الحدود البحرية والبرية لا يتم من دون اتفاق مع "حزب الله"، على رغم أن "جسمه" مستقل عن الدولة كمنظومة قائمة بذاتها. والكلام موجّه أيضاً إلى الحريري ليعرف بعد لقائه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن كل الإجراءات أو الاشتراطات الأميركية لن تجد طريقها إلى التطبيق من دون حصول تفاهم مباشر أو غير مباشر مع الحزب، والاقتناع بأن الكلمة الفصل فيها للحزب، إلى حد يقول السياسي ان رئيس الحكومة اللبنانية بات يعرف أنه لا يمكن تحقيق ما يريده أو ما أعلنه في جولته الأميركية من دون أدنى تفاهم مع الحزب، وهو الذي قال إنه لا يمكن تغيير قرار الإدارة الأميركية بشأن العقوبات على "حزب الله". 

 

ويرى السياسي إياه أن الحريري سيسعى بعد عودته الى لبنان للعمل على نقاط أخرى، أي محاولة تحصيل القروض والمساعدات للبنان، وقد يضطر الى فتح أبواب للتنسيق مع الحزب وإن كانت عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري لتكريس بعض التفاهمات التي تؤمن استمرار التسوية الرئاسية، وتعبيد طريق ترسيم الحدود وضبطها، ليس في الجنوب وفي المناطق البحرية المتنازع عليها مع الاحتلال الإسرائيلي فحسب، إنما أيضاً في ما يتعلق بترسيم الحدود مع سوريا، وهو أمر لا يزال حتى الآن شبه مستحيل لأسباب لها علاقة بحسابات النظام السوري وبدور "حزب الله" في سوريا.

 

بدا واضحاً أن الولايات المتحدة مستمرة في فرض عقوبات على الحزب، فيما زيارة الحريري لم تحدث تغييرات في مسارها، إذ إن الأميركيين، وفق السياسي، يريدون الاستمرار في محاصرة أذرع إيران في المنطقة، ولا يحبذون حتى الآن حرباً مع الجمهورية الإسلامية. لذا كان تركيز الحريري في واشنطن على أهمية استمرار برنامج دعم القروض من خلال "سيدر" وكذلك مؤتمرات الدعم للقوى المسلحة اللبنانية، ثم تركيزه على ترسيم الحدود البرية والبحرية مع الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى ضبط الحدود مع سوريا وصولاً الى الترسيم. 

 

وفي ذهن الحريري كما يقول السياسي، محاولة لفصل الملفات اللبنانية عن الصراع في المنطقة لتسهيل تعهدات "سيدر"، طالما أنه يدرك أن إجراءات واشنطن لن تستطيع التخلص من الحزب، وهو في الأساس ليس في وارد خوض معركة من هذا النوع، وهو مضطر، وفق ما ينقل السياسي عن مصادر مقربة، إلى بحث ما طرحه في الولايات المتحدة من نقاط، مع "حزب الله"، بهدف التوصل إلى حلول، علماً أن الوساطة الأميركية في ملف ترسيم الحدود قد تعود قريباً إلى الواجهة، ومعها إمكان مشاركة الشركات الأميركية في الاستثمار والتنقيب عن النفط في لبنان. ويأخذ الحريري في الاعتبار أيضاً أن مفاوضات أميركية - إيرانية قد تنطلق في أي وقت، فلا يمكن عندئذ لبنان أن يستفيد إذا كانت أوضاعه غير مستقرة.

 

إبراهيم حيدر