الإرهاب ليس له صديق. ولأنه فكر قبل أن يكون ممارسة فإن إمكانية انتقاله من مكان إلى آخر لا تعتمد أصلا على انتقال منفذيه، بل على انتشار أفكارهم.
 

هل ستكون الدول الداعمة للإرهاب في منجى منه؟ ولكن قبل ذلك؟ لا بأس هنا من أن نتذكر حكاية صانع السم الذي اشتهى في لحظة ما أن يتذوقه.

لم يكن مصطلح “الإسلام السياسي” قد اختُرع بعدُ حين كانت جماعة الإخوان المسلمين تخطط للاستيلاء على الحكم. أما حين تربع الخميني على كرسي الحكم في إيران عام 1979 فقد صارت جملته “لا معنى للإسلام من غير سياسة” بمثابة عقيدة تبنتها كل الجماعات الإسلامية.

ولكن ما هي السياسة بالنسبة للخميني ولجماعة الإخوان المسلمين؟ إنها تصريف شؤون الرعية بما يتوافق مع “الشريعة”.

ولكن ما هي الشريعة؟ هي مجموعة الأحكام الدينية التي وضعتها كل فرقة من فرق المسلمين لتتمكن من خلالها من تطبيق مفهومي “الحرام والحلال” واقعيا. لذلك تختلف على سبيل المثال شريعة طالبان عن شريعة إيران، وهكذا الأمر بالنسبة لشريعة الإخوان.

هناك في الإسلام “الواقعي” وكذلك الإسلام التاريخي شرائع، لا شريعة واحدة.

ذلك التصادم بين الشرائع هو ما رسم صورة عن عالم إسلامي مهدد بالحروب الأهلية الدائمة. وليس بعيدا عن الواقع القول إن الإرهاب كان أساس تلك الحروب. عن طريق العنف صارت كل شريعة تفرض نفسها على السكان المدنيين لتزيح الشرائع الأخرى وتريح نفسها.

من ذلك ما نسمعه عن مساعي إيران لنشر التشيع بين المصريين والجزائريين والمغاربة في خرق سافر لسيادة دولهم السياسية. وهو ما يكشف عن أن التشيع هو إسلام آخر ينبغي على المسلمين أن يتّبعوه من أجل تصحيح إسلامهم. ذلك ما تعلنه الأفعال ويُغطى عليه بالمرويات الطائفية التي يغلب عليها طابع التلفيق.

حين وضعت دول بعينها مليارات الدولارات في خدمة التنظيمات الإرهابية فإنها كانت تعرف جيدا أنها كانت تغذي نار حروب الطوائف. وهي حروب لن تنتهي ما دامت هناك دول ثرية تغذيها بالأموال وتدافع عنها من خلال وسائل الدعاية الملغومة بالأكاذيب.

ولكن إذا كانت تلك الدول مطمئنة إلى أن تلك الحروب لن تمسها ولن تقترب منها فإن السؤال هو “هل كانت إدارة تلك الحرب ضرورية لها ومن أجل أي هدف؟”.

يقول المسؤولون في إحدى الدول الراعية للإرهاب “إنهم مكلفون بذلك”، وهم يجدون في تنفيذ تلك المهمة مصدر قوة لهم في مواجهة الآخرين.

كانت سوريا مختبرا للإرهاب وللدول الداعمة له. الغريب مثلا أن دولة مثل فرنسا وهي التي اشتكت من الإرهاب الذي ضرب غير مرة مواطنيها على أراضيها لم تعلن عن استيائها بسبب تغوّل الجماعات الإرهابية في سوريا. في حقيقة الأمر فإن العالم كله كان داعما للجماعات الإرهابية في سوريا. كان الصمت هو علامة ذلك الدعم.

ذلك ما شجع الدول التي كانت تمول تلك الجماعات على الاستمرار في مهمتها القذرة مطمئنة إلى أنها تقوم بدور قد كُلفت بالقيام به ولن تدفع ثمنه ما دامت قد فتحت خزائنها للإرهابيين، انطلاقا من ثقتها بأن قيامها بأداء تلك المهمة التي كُلفت بها سيضمن لها السلامة.

وهي ثقة ليست في محلها. ذلك لأن الإرهاب ليس له صديق. ولأنه فكر قبل أن يكون ممارسة فإن إمكانية انتقاله من مكان إلى آخر لا تعتمد أصلا على انتقال منفذيه، بل على انتشار أفكارهم وهو ما تقوم به قناة الجزيرة بطريقة متقنة.

وإذا عرفنا أن تلك القناة ممولة من قبل حكومة قطر المتهمة بتمويل الجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا واليمن، فإن ذلك يمكن أن يدفعنا إلى التفكير في الأسباب التي تجعل دولة قطر مطمئنة إلى أن مواطنيها الذين يعتبرون “الجزيرة” رسولتهم إلى العالم لن يصابوا بلوثة الإرهاب؟

أعتقد أن شيئا من اللامعقول يتخلل ذلك الاطمئنان.

في مثال آخر فإن رجب طيب أردوغان في تركيا اعتبر الإرهاب عقيدة من جهة كونه جهادا. أردوغان هو داعية إرهاب عالمي. وهو في ذلك يؤدي وظيفته. غير أنه في الوقت نفسه كان حريصا على أن تبقى تركيا مقصدا سياحيا. في حقيقة الأمر إن ما أرساه أردوغان من ميل للإرهاب سيضرب السياحة في تركيا يوما ما. ذلك لأن الأجيال التي تربت على الخطاب الأردوغاني سترى أنه يقع عليها واجب تنفيذ مشروعه في الإرهاب على الأراضي التركية.

ولهذا نقول بيقين “لن يكون دعاة وممولو وداعمو الإرهاب في منجى منه أبدا”.