إخترت اليوم أن أعيد صَوغ بعض الأفكار التي كنت قد كتبتها منذ 12 عاماً، وضمّنتها الخطوات اللازمة للاصلاحات التي توصلنا الى مجتمع منتج شفّاف وتنافسي يستقطب المستثمرين ويوفّر فرص العمل. المحزن اننا خسرنا 12 عاماً وأكثر من الفرص الضائعة، ولم نبدأ بعد بتغيير العقلية. 12 عاماً والاحتكارات والمحميّات تزداد، والتنافسية تتراجع والانتاجية تتعثر. قبل 12 عاماً كانت مرحلة انتخابات رئاسة الجمهورية فوجدتها مناسبة لأطرح أفكاري، والآن أجد هذا العهد قد يكون الفرصة السانحة لتحقيقها... فعسى ان نتعلم من النتائج التي أوصلنا أنفسنا اليها، ونقرأ بشكل مختلف.
 

فرضت الأعوام العشرون الاخيرة في أذهان اللبنانيين فكرة هي انّ رئيس الجمهورية لا علاقة له بالاقتصاد الوطني، وتجاوز البعض ذلك ليقول انه خلال العهدين الاخيرين التزمت الحكومات المتعاقبة الاقتصاد، ولكن من يحضر ليترأس جلسات مجلس الوزراء يجب ان يمتلك رؤية اقتصادية واضحة في الموضوعات المطروحة، من العولمة ومنظمة التجارة العالمية والتجارة الحرة العربية، الى الضرائب والرسوم والضمان والصحة والكهرباء والتعليم واللامركزية الادارية والبيئة.

هذه بعض العناوين التي تسيطر على قلب اللبناني وتحوّل حياته اليومية معركة مع المجتمع ومع الذات، وتدفعه الى الاستزلام لمَن يقدّم له أبسط حاجاته الحياتية، وتسخّر إمكانات شعبنا في معركة بقاء يجب ان نربحها لنحوّل إمكاناتنا إلى إنتاجية أفضل ونمو مستدام. ولكن يبقى «الفساد» هو العنوان المهم الذي يشمل كل ما ذكرناه، وهو السبب الاساسي وراء نَخر هذا المجتمع. لا أتكلم عن سرقات المال العام الواضحة، بل عن إجراءات ادارية تسبّبت بنَخر المجتمع وبتحويل مجموعة من البشر الى عبدة النصوص، ومجموعة تدرّبت على يد العثماني، ثم وضع الفرنسي على جبين أفرادها حداثة البيروقراطية التي تحكمت بلبنان منذ الاستقلال، وجاء أحفاد هؤلاء ومن تربّى على يدهم يهندسون إجراءات تخفض إنتاجية مجتمعنا الى النصف، وهو رأي معظم رجال الاقتصاد. 

رئيس الجمهورية رأس الهرم، بحسب الطائف، على الرغم من وجود وجهات نظر عدة حول الموضوع، لا يعقل ان تكون هذه الموضوعات غائبة عن برامج المرشحين، فالاقتصاد هو أهم من شهادات حسن السلوك التي يبحث عنها المرشحون.

بما انّ العبرة ليست في العناوين فحسب، بل في التنفيذ، فنحن نَتطلّع ليس الى من يتبنى العناوين، بل الى من يتعهد تنفيذها خلال عهده المفروض ان يكون ميموناً: «أنا المرشح لرئاسة الجمهورية أتعهد ان أوجّه حكومتي وبيانها الوزاري الى إقرار الاصلاحات الآتية وربط تنفيذها بجدول زمني محدد»:

1 - تطبيق قانون حرية الحصول على المعلوماتFreedom of Information Act، بما يسمح لكل مواطن لبناني الحصول على اي معلومات مرتبطة بالشأن العام، اي من كل المؤسسات الحكومية ونشر كل المعلومات على صفحات إلكترونية متوافرة للعموم.

2 - تقديم اقتراح مشروع قانون الى مجلس النواب لإصدار قانون بالنسبة الى المناقصات العامة، يعتمد الشفافية التامة، إن بالنسبة الى المواصفات او بالنسبة الى آلية فَض العروض، ولا يسمح بأي شكل بتفصيل مناقصات غب الطلب.

3 - إلغاء السرية المصرفية عن كل من يعمل في القطاع العام وكل من يستفيد من المال العام عنه وعن فروعه وأي شركات تابعة له مباشرة او غير مباشرة، كما هو معمول به في البلدان الليبرالية.

4 - إنشاء مجلس أعلى للفعالية الاقتصادية مع إعطائه صلاحيات إعادة صوغ كل الاجراءات الادارية في الدولة من دون الرجوع الى الادارات المختصة. ويكون دور هذا المجلس الانطلاق بورشة لإعادة صوغ كل المراسيم التنفيذية والاجراءات الادارية بالتعاون مع اهل الاختصاص والمجتمع المدني والهيئات الاقتصادية والاكاديمية، مع تحديد فترة زمنية لا تتعدى الـ24 شهراً للخروج بآليات جديدة لكل المعاملات حتى مع القطاع الخاص من أجل ترشيقها وتبسيطها ومنع التعقيدات المهندسة خصيصاً لفتح باب الرشاوى.

5 - فتح إنتاج الكهرباء وتوزيعها للتنافس الحر كلياً بمدة لا تتعدى 3 اشهر، والسماح باستيراد الغاز الطبيعي والمحروقات لمَن يشاء، ومنع الاحتكار في هذا القطاع.

6 - تأمين الخدمات الصحية لكل مواطن عبر القطاع الخاص، ودمج كل الموازنات من ضمان ووزارة صحة وتعاونيات وغيرها تحت إدارة رقابية واحدة لتأمين الخدمات الصحية لكل مواطن يحتاجها عن طريق شرائها عبر بوالص تأمين من القطاع الخاص.

7 - رفع الحد الادنى للاجور، والغاء مبدأ التعويضات العائلية من الضمان الاجتماعي، وتحرير صناديق نهاية الخدمة تحت اشراف المصرف المركزي، وتحويل الضمان هيئة رقابية.

8 - تلزيم ادارة المدارس الرسمية للقطاع الخاص وتوزيعها عبر مناقصات على المؤسسات التعليمية العريقة التي اثبتت جدارتها عبر تحقيق نتائج باهرة على المستوى التعليمي، مع التركيز على انّ كلفة معدل التعليم في القطاع الخاص هي نصف ما هي عليه في القطاع الرسمي وبنتيجة أفضل.

9 - تحويل الاقتصاد الوطني اقتصاداً تنافسياً يشمل كل القطاعات من دون استثناء، لمنع الاحتكار مع احترام حقوق المستهلك، ويبقى منفتحاً على التجارة الحرة، ومحافظاً على تنافسية القطاعات الانتاجية في لبنان، عبر:
أ‌ - إنشاء مجلس أعلى لمنع الاحتكار الخاص والرسمي منفصل عن كل الوزارات Anti - Monopolies Commission.
ب‌ - إنشاء محاكم خاصة ومستقلة متخصصة بحقوق المستهلك ومنع الاحتكار.

10 - العمل على استنباط تشريعات تعطي إعفاءات ضريبية ودعم لمَن يوفّر فرص عمل في لبنان تَحضّ على تشجيع الاستثمارات التنموية وتوازن الانماء المناطقي والقطاعي، وإنشاء مناطق صناعية «ذكية»، تتوافر فيها الخدمات، في كل المناطق.

11 - إعادة حصرية حق فرض الضرائب الى مجلس النواب، وعدم فرض ضرائب مستترة باسم رسوم، وتأكيد مبدأ انّ الرسوم هي لقاء خدمة وليست لتمويل مالية الدولة.

12 - إنشاء قوات خاصة من الشرطة يتم تدريبها في الغرب لمعالجة مشكلات السير Traffic Task Force، والتركيز على الرقابة الالكترونية في كل طرق لبنان وقوة مماثلة لمراقبة الاعتداءات على البيئة Environmental Task Force. 

إنها «دزّينة» من العناوين الاقتصادية التي تُقنع أهل الاقتصاد بأنّ المرشح العتيد «ناوي على الخير» في ما يتعلق بالاقتصاد الوطني والاصلاح.