بعد أن طبّق المجلس الدستوري الحالي أمس الأول 10 أعوام وشهرين من ولايته، إستقبل طعنين في قانون الموازنة أحدهما للقضاة وآخر للعسكريين المتقاعدين، في وقت لا يعرف فيه متى ينتهي دوره عند تشكيل المجلس الجديد فتقع الإشكالية بين ولايتين. وإن تمكّن من إصدار كامل القرارات المطروحة أمامه يكون قد أصدر 24 قراراً في عام مقابل 100 قرار في 24 عاماً سبقت تشكيله.
 

إنّ المجلس الدستوري الحالي امضى بكامل أعضائه ولايتين كاملتين متتاليتين وشهرين، فهو تسلّم مهماته في 15 حزيران 2009 لولاية تمتد خمس سنوات. وكان من المفترض أن تنتهي في 15 حزيران 2014 لكنّ نظامه الداخلي سمح بالتمديد تلقائياً لأعضائه كهيئة كاملة الى حين تشكيل المجلس الجديد وقَسَم أعضائه اليمين القانونية.

وبعيداً من هذا المنطق الدستوري والنظامي استقبل المجلس في الساعات الماضية طعنين جديدين في قانون موازنة 2019 احدهما أعدّه «نادي القضاة» في لبنان طالباً الطعن الجزئي في مواد عدة من القانون شكلت مسّاً بحقوقهم المكتسبة وبسلطتهم المستقلة. والثاني أعدّته «اللجنة القانونية في حراك العسكريين المتقاعدين» لإبطال مواد شكلت تهديداً ومسّاً بمكتسبات وحقوق سابقة لهم ولم تقدّم لهم بدائل منها تساويها في شكلها ومضمونها ومردودها.

ومن الثابت أنّ هذين الطعنين رفعا عدد الطعون المرفوعة امام المجلس الى أربعة. فالمجلس كان مدعوّاً الى اجتماع يُعقد قبل ظهر الإثنين المقبل للإطّلاع على الطعنين الجديدين الى جانب طعنين آخرين عالقين امامه، احدهما يطعن في حقّ نائب رئيس المجلس العلوي الأعلى بالتقدم في طعن امام المجلس، والثاني رفعه المرشح الخاسر في انتخابات طرابلس الفرعية يحيى مولود في نيابة الفائزة فيها النائبة ديما جمالي.

وعليه، فإنّ رئيس المجلس الدستوري سيدعو في الإجتماع المرتقب الى تعيين مقرّرين لكل طعن من طعني الموازنة العامة إن أبقى المجلس عليهما مفصولين، وإن قرّر دمجَهما في طعن واحد سيعيّن مقرِّرين للنظر فيهما كطعن واحد طالما أنّ القانون المطعون ببعض من مواده هو واحد. لتنطلق من بعدها المناقشات لبتّ دستورية الطعن المقدَّم من نائب رئيس المجلس العلوي بقانون أقرّه مجلس النواب للتمديد لأعضاء المجلسين التنفيذي والشرعي في الطائفة، مطالباً بإجراء الإنتخابات لتجديد أعضائهما. والمطلوب من المجلس الدستوري تقدير حقه كنائب لرئيس المجلس في تقديم طعن من عدمه. 

فالقانونُ الأساسي للمجلس الدستوري أعطى رؤساء الطوائف الحقّ في التقدّم بأيّ مراجعة أمامه وليس لنوابهم. لكنّ شغور مركز الرئيس عند العلويين منذ 14 عاماً وإيكال مهامه الى نائبه جعلت النقاش في شكل الطعن وارداً وسط انقسام حاد لقبوله او رفضه قبل بتّ مضمونه. ويستند دعاة قبول الطلب بالطعن الى مضمون المادة 18 من النظام الداخلي للمجلس العلوي في شأن تولّي نائب الرئيس مهام الرئيس عند غيابه، وهو أمر محقّق منذ سنوات، في ما يرى المناهضون أنّ صلاحيات رئيس المجلس الإدارية والتنظيمية تنتقل الى نائب الرئيس، فيما أدواره الأخرى تغيب معه، ولا سيما حقه في مراجعة المجلس الدستوري.


لا تقف الإشكاليات عند هذا الحدّ، فالأمر منوط بعمل المجلس وتوافق أعضائه على توفير المخرج لأيِّ إشكال داخلي عندما تتفق الأكثرية على تفسير واحد. لكنّ المعضلة المتوقعة ستقع إن تشكّل المجلس الدستوري الجديد قبل أن يبتّ المجلس الحالي الطعون الأربعة المرفوعة امامه وتتّخذ القرارات المناسبة بشأنها. وهنا تختلف الآراء في مقاربة المرحلة الإنتقالية وتنقسم بين رأيين:

- الأولى تقول إنه يمكن تأجيل قسَم اليمين للأعضاء الجدد للمجلس باعتبار الحدث شرطاً اساساً لإكتماله ومباشرة مهامه الى حين الإنتهاء من بتّ الطعون الحالية المرفوعة امام المجلس الحالي، وهو أمر يستلزم مهلة شهر ونصف تقريباً.

- أما الثانية فتقول إنه يمكن للمجلس الجديد أن يستكمل البحث في الطعون العالقة أمام المجلس فور تسلّمه مهامه ولا يمكن تأخير عملية التسليم والتسلّم الى حين الإنتهاء من إصدار القرارات النهائية في أيّ ملف. فهل تتأخّر التشكيلات في السلك القضائي إن بقيت امام القاضي الذي شملته المناقلات مئات الملفات أم انها تنتقل تلقائياً من الخلَف الى السلَف؟

وفي انتظار الأخذ بأحد هذين الرأيين، تجدر الإشارة الى أنّ استعجال تشكيل المجلس الدستوري قراراً سياسياً في النهاية، ينتظر التوافق على مضمونه ولا يمكن ربط ذلك بأيّ مهل أو قضايا أخرى. فهناك أجواء توحي بأنّ العهد يسعى الى بتّ تأليف المجلس الجديد سريعاً ليمسك بزمام الأمور. فالتركيبة الجديدة تحظى برضى مَن اختارهم انتخاباً أو تعييناً، وانّ هناك مَن يرغب في تسلّم مهامه في المجلس سريعاً، لكنّ الأمر رهنٌ بالتوافق الذي لم يكتمل بعد. 

وفي كل الحالات، لا يبدو أنّ هناك احداً من اعضاء المجلس الدستوري الحالي متمسّك بموقعه، فقد تعبوا من ممارسة مهامهم لمدة عشر سنوات وشهرين بدلاً من خمس سنوات. ونقل عن رئيس المجلس الدكتور عصام سليمان قوله أمس: لقد أصدرنا عام 2019 وحده 24 قراراً، فيما أصدر المجلس منذ ولادته قبل 24 عاماً 100 قرار.