يبدو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مرتاحاً الى حسم المواجهة في الجبل لمصلحته، لكنّ هذا الحسم لم يُفقد جنبلاط القدرة على قراءة ما قبل والاتّعاظ بما سيأتي، فكَسبُ جولة لا يعني انتهاء المواجهة، ولكن إن جَنحوا للسلم نَجنَح، وإن أرادوا تكرار استهدافنا فنحن جاهزون، على ما تقول مصادر مقرّبة من الحزب.
 

تتعمّد المصادر ترشيق رواية المصالحة وتخفيف جرعة التأثير الدولي والعربي، وتكشف أنّ المصالحة بالطريقة التي تمّت فيها حصلت فعلاً في 31 تموز، أي قبل بيان السفارة الاميركية بأسبوع واحد. فليلة 31 تموز أبلغَ الرئيس نبيه بري الى النائب السابق وليد جنبلاط أنه حصل على تفويض من «حزب الله» بترتيب المصالحة بالطريقة التي يَرتئيها، وذهب التفويض الى حدّ الطلب من بري عدم العودة الى الحزب بكلّ ما سيقوم به، أي انّ التفويض كان على بياض.

بعد 31 تموز فوجئ الجميع بما قاله الرئيس ميشال عون عن استهداف الوزير جبران باسيل في قبرشمون، فقد رفعَ الرئيس عون بهذا الكلام الغطاء عن حليفه النائب طلال ارسلان، ثم رفع السقف الى أعلى من دون أن يدرك أنّ قراراً بالمصالحة قد تمّ تفويضه للرئيس نبيه بري. ولهذا، لم يكن الوزير جبران باسيل راضياً عن المصالحة، بل انه ذهب الى حَدّ لوم الرئيس عون على الموافقة عليها، باعتبار أنّ ما كان قد حصل عليه فريق رئيس الجمهورية أكبر ممّا حصل عليه بفِعل المصالحة.

تشير المصادر الى أن البعض اعتقد أن جنبلاط رجل التسويات، سيتراجع أمام الضغط الذي مورس عليه، لكنّ جنبلاط أيقنَ، بفِعل ما يمتلكه من معلومات ومعطيات، أنّ المطلوب شَطبه، فخاضَ حرب وجود بأعصاب جليدية، وساهمَ تَضافر عوامل داخلية مرتبطة بالطائفة الدرزية وشعورها بالخطر، ومرتبطة ايضاً بالمناخ الوطني المُتراص حول جنبلاط الذي تمّ التعبير عنه في أكثر من بيئة مسيحية وسنية وشيعية، في انتصاره.

وأشارت المصادر الى أنّ لصق المصالحة ببيان السفارة الاميركية هو خطأ لا يَصف الحقيقة بكاملها، فبيان السفارة صَدر بعد 40 يوماً على حادثة قبرشمون، أمّا الضغوط الدولية فانطلقت من زاوية الخشية من سقوط الوضع الاقتصادي جرّاء تعطيل اجتماعات الحكومة، وقد تبيّن في النهاية انّ مَن انصَاعَ لهذه الضغوط لم يكن وليد جنبلاط، بل مَن اتهموه بأنه يَتكئ على دعم دولي. فطوال مفاوضات الأزمة، كان سفراء الدول الكبرى في بيروت يضغطون على الجميع لعودة الحكومة الى الاجتماع، أمّا جنبلاط الذي اعتبر انّ المعركة هي ضده لإلغائه، فقد قال بوضوح: بين الوجود أو اللاوجود، أختار أن أواجه مهما كانت كلفة المواجهة.

في المحصّلة لن ينتهي تفويض «حزب الله» للرئيس نبيه بري بالمصالحة، بل سَيمتد الى ترتيب لقاءات بين قيادات من الاشتراكي و»حزب الله»، ومن المرجّح أن يكون اللقاء الأول بعد فترة ليست ببعيدة، علماً انّ الحزب كسر القطيعة باتصالات تهنئة بالعيد، وبدعوة الاشتراكي الى مهرجان بنت جبيل.

يستثمر الاشتراكي انتصاره بكثير من الهدوء من دون ضوضاء أو مظاهر مُستفزة، فالجولة كانت صعبة، يمكن اختصار بدايتها من هجوم «داعش» في السويداء حيث وصلت رسالة التأديب لجنبلاط، فالتَفَّ عليها بتوسيع اتصالاته بروسيا، مانعاً ان تتحول المجزرة الى استِتباع للنظام السوري تحت عنوان الحماية من «داعش»، أو الى ارتماء تحت ظل الحماية الاسرائيلية. ومنذ تلك اللحظة تَيقّنَ جنبلاط انّ ما يُحَضّر له وللطائفة الدرزية جدي وخطير، من السويداء حتى قبرشمون. كانت اتصالاته الدولية والعربية تجري بوتيرة مرتفعة، فبعد أيام من حادثة قبرشمون كان وزيره النشيط في دولة عربية مؤثّرة ينال ضمانة بتَماسك حلفائه في الداخل لمنع تطويقه في الحكومة. وبعدها، التقى سفراء غربيين وعرباً. لكنه، في كل ما نالَه من دعم، لم يتوقف لحظة عن الثقة بأنّ لدى الرئيس نبيه بري الحل والربط والتفويض، وهكذا تمّت المصالحة.