هل يمكن اعتبار ما صدر سواء في واشنطن، حيث أنهى الرئيس سعد الحريري محادثاته الأميركية، أو في بيت الدين، حيث أنهى وجود الرئيس ميشال عون هناك، ذيول احداث قبرشمون، إذ أكّد ان المشكلة لم تكن معه، وان الجروح بين الأطراف بدأت بالإلتحام بشكل سليم.. أو من الضاحية الجنوبية، على لسان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله لمناسبة مهرجان انتصار 2006 في ذكراه الـ13، من «اننا لا نريد تحجيم أحداً، ولا ان نلغي أحداً.. والمطلوب ان يعترف الآخرون بالآخر في ساحتهم وطائفتهم..» من شأنه ان يفتح الطريق، بأقل قدر ممكن من التشنج لمعالجة الملفات بالغة الخطورة، سواء في ما خص النفايات، أو الأزمات المالية، أو موازنة العام 2020، إذا ما نجت موازنة الـ2019 من الطعن، الذي ضربها؟..
 
ومع عودة الرئيس سعد الحريري في بحر الـ48 ساعة المقبلة إلى بيروت، يفترض ان تكون اكتملت الاستعدادات لاستئناف جلسات مجلس الوزراء، حيث ستكون نتائج محادثاته مع الإدارة الأميركية.
 
وأكّد، في هذا السياق، مصدر لبناني لـ«اللواء» ان المسؤولين الأميركيين أبدوا اهتماماً استثنائياً بالزيارة، معربين عن تفهمهم للوضع في لبنان، لجهة وضعية حزب الله، الممثل في الحكومة، والذي تعترض الولايات المتحدة على ادائه، وارتباطه بالمحور الإيراني، وتدخلاته العسكرية في سوريا واليمن، ودول أخرى (وفقاً للأميركيين).
 
لكن المصدر لاحظ ان الدعم الأميركي مستمر على صعيد تقديم المساعدات للجيش اللبناني، فضلاً عن برامج التدريب مع اشادة أميركية واضحة بأداء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
 
تبديد حملة التشويش
 
وهكذا ومن مقر وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن بدّد الرئيس الحريري ومعه وزير الخارجية بومبيو، ليل الخميس - الجمعة، المخاوف والتسريبات السلبية، أو ما يمكن وصفه بحملة التشويش التي رافقت اليومين الأوّلين من زيارته، والتي روّجت معلومات ثبت عدم صحتها، عن انزعاج أميركي من ادائه، وعدم تمكنه من مواجهة «حزب الله»، أو عن عقوبات كبيرة قد تشمل حلفاء الحزب في الحكم والحكومة، وسوى ذلك من تسريبات، وصفها الرئيس الحريري بأنها عبارة عن «طموحات بعض السياسيين الذين يتلقون إملاءات»، إذ أكّد بومبيو بعد محادثاته مع رئيس الحكومة اللبنانية «التزام الولايات المتحدة بمستقبل مشرق للشعب اللبناني، والاستمرار في دعم المؤسسات اللبنانية التي تتمتع بمصداقية داخل لبنان، وهي ضرورية للمحافظة على استقرار وأمن وسيادة لبنان».
 
فيما أكّد الحريري «على شراكة الحكومة اللبنانية والتزامها المشترك مع الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب، شاكراً الحكومة الأميركية على دعمها المستمر للبنان ولا سيما للجيش والقوى الأمنية اللبنانية، ولفت إلى ان الوزير بومبيو جدد له خلال لقائه به مساء الخميس دعم بلاده للبنان سياسياً واقتصادياً من خلال مؤتمر «سيدر» والمؤسسات الدولية، وتطبيق الإصلاحات التي تعهدنا بها، وان الولايات المتحدة حريصة على مواصلة العمل على حل مسألة تحديد الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل».
 
وبطبيعة الحال، فإن موضوع العقوبات على «حزب الله»، وحتى موضوع «حزب الله» نفسه كان حاضراً في محادثات الحريري، سواء مع الوزير بومبيو أو حتى مع مساعديه ديفيد شينكر وديفيد هيل، ولم يغب عن المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده الحريري وبومبيو الذي اعتبر ان المنطقة مهددة من قبل إيران، والشعب اللبناني مهدد بما يقوم به حزب الله نيابة عن إيران، لكن الوزير الأميركي قدر لرئيس الحكومة اللبنانية التزامه الشجاع لتحمل كامل المسؤولية في الدفاع عن لبنان والقيام بالاصلاحات الضرورية التي ستفتح المجال لتعزيز الاقتصاد اللبناني».
 
وغرد بومبيو عبر «تويتر» أمس قائلاً «بأن اجتماعه مع الرئيس الحريري كان مثمراً، وانه أكّد له دعم استقرار لبنان وأمنه، كما عبر عن القلق العميق إزاء حزب الله، مكرراً ان العقوبات الأميركية على أفراد ومناصري حزب الله مستمرة».
 
وأكثر من ذلك، نقلت محطة «سكاي نيوز عربية» عن مسؤول في الخارجية الأميركية قوله أن «مسؤولين في الولايات المتحدة تناقشوا بشكل مطول مع الحريري حول سلوك «حزب الله»، وما الذي من الممكن أن تقوم به الحكومة اللبنانية».
 
وقال المسؤول، «إن الولايات المتحدة ملزمة بموجب القانون، بأن تحمّل المسؤولية لكل فرد أو منظمة، تقوم بتسهيل أعمال ميليشيات «حزب الله»، محذرا: «إذا استمر (حزب الله) بالقيام بما يفعله، ستكون هناك تداعيات لذلك».
 
الحريري مطمئناً
 
لكن الحريري، حاول في تصريحاته التخفيف من وطأة الموقف الأميركي، أو من التحذير شديد اللهجة، بحسب «سكاي نيوز عربية» إذا اعتبر ما وصفه «بالملاحظات الأميركية» حيال «حزب الله» بأنه أمر نتوقعه ونعرفه»، مضيفاً بأنه كحكومة لا نستطيع تغيير موقف الإدارة الأميركية من العقوبات ضد «حزب الله» لكننا نعمل على تجنيب لبنان أية تبعات في هذا الخصوص».
 
وقال: ان الأميركيين سيتشددون بالتأكيد في كل ما يتعلق بإيران ومن يساعدها ويتواصل معها، وقد شرحنا لهم وجهة نظرنا بضرورة تجنيب لبنان تبعات هذه العقوبات، واعتقد ان رسالتنا وصلت بشكل جيد.
 
ونفى الحريري ان يكون لديه أي شيء ملموس في خصوص ان تطال العقوبات مصارف أو مؤسسات مالية لبنانية، لافتاً إلى ان هناك تهويلاً في هذا الموضوع أكثر من اللازم، الا انه أعاد التذكير بالمديح الذي سمعه لسياسة البنك المركزي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مستبعداً في الوقت نفسه ان تطال هذه العقوبات حلفاء حزب الله، على الرغم من انه كانت هناك محاولة في العام الماضي لوضع نص من هذا القبيل في الكونغرس، بحسب ما كشف الحريري الذي رأى انه هناك كلاماً يتم تداوله أكثر مما هو حقيقة، لكني لا أرى أن يمكن ان نصل إلى ذلك».
 
وفي موضوع آخر، يتعلق بالتجديد لقوات الطوارئ الدولية «اليونيفل» في الجنوب، بموجب القرار 1701 والذي سيطرح على مجلس الأمن الدولي، قبل نهاية الشهر الحالي، رفض الحريري الدخول في تفاصيل الأمور وما يريده الاسرائيليون لتعديل قواعد الاشتباك والسماح لليونيفل الدخول إلى الأماكن الخاصة، لكنه قال اننا نحاول إيجاد أفضل الطرق لعدم وضع لبنان في موقع خطر، كما انه ليس دورنا ان نكون بوليس لدى الإسرائيليين، ولا بدّ ان يكون هناك نوع من حالة توازن، كاشفاً عن عمل جدي، بحسب القرار 1701 للانتقال من وقف الأعمال العدائية إلى وقف إطلاق النار، وانه لحصول ذلك لا بدّ من تطبيق عدد من البنود يتعلق جزء منها بلبنان والجزء الآخر بإسرائيل، لكن الأهم والأساس بالنسبة إلينا هو ان نصل في مكان ما إلى بداية مفاوضات في شأن الحدود البحرية وهو أمر مهم جداً بالنسبة إلى لبنان على الصعيد الاقتصادي وفي ما يتعلق بالغاز والنفط.
 
وفي سياق الجو الاميركي عن «حزب الله»، قال مستشار الحريري الوزير الاسبق غطاس خوري للاعلاميين المرافقين: ان هدف الزيارة كان ابلاغ الاميركيين ان المسار الاقتصادي – الاجتماعي والنهوض بالبلد منفصل عن الازمات السياسية التي تواجهها المنطقة، وموضوع العقوبات على «حزب الله» ليس جديدا ولم يُطرح علينا اي شيء جديد علينا ولم يسألنا احد ما اذا كان لبنان سيتخذ اجراءات اضافية كما توحي بعض وسائل الاعلام، وقال: الاميركيون لديهم مسار يتعلق بمواجهة ايران و«حزب الله» وسيكملون به، ونحن موضوعنا الاقتصادي وعمل الحكومة ولبنان كبلد مستقل له كل الاحترام والدعم من الادارة الاميركية وهذه رسالة ايجابية جدا خلافا لكل الجو الذي اوحى به الاعلام بداية الزيارة. فنحن لم نتلق تهديدا ووعيدا، موقف الادارة الاميركية من «حزب الله» معروف وليس جديدا، لكن هناك فصل اميركي بين «حزب الله» وبين عمل الحكومة والحفاظ على لبنان كبلد ديموقراطي مستقل في المنطقة.
 
 
 
وحول تحديد الحدود البرية والبحرية قال: «لقدابلغ الرئيس الحريري الجانب الاميركي ان مسار هذا الامر دستوري وهذا المسار معروف ولا نستطيع ان نؤجل اتخاذ القرار الى الابد، ان القرار يمر من الحكومة وربما ايضا عبر المجلس النيابي، وهذا المسار يؤدي على الاقل الى ان نتفاهم على الحدود البرية والبحرية، وكلنا نعلم كم هي مهمة بالنسبة لنا الحدود البحرية خاصة البلوكات المحاذية لأسرائيل للتنقيب عن النفط والغاز».
 
استهداف جنبلاط
 
ولم يغب موضوع الجبل، والأحداث التي حصلت فيه عن الاهتمامات السياسية سواء للرئيس الحريري في واشنطن، أو عن قصر بيت الدين، بالتزامن مع انتقال الرئيس ميشال عون إليه أمس، لتمضية فترة أسبوعين فيه، حيث يؤمل ان يشهد حركة ناشطة في الأيام المقبلة، وربما جلسة حكومية أيضاً، كما حضر أيضاً في إشارة ضمنية من الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، في خطاب الذكرى 13 لانتصار المقاومة في حرب تموز، بعثت برسالة إيجابية إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
 
لكن البارز واللافت على هذا الصعيد، كان تأكيد الرئيس الحريري، ومن واشنطن، بأن وليد جنبلاط غير مستهدف جسدياً، ومن يفكر بذلك سيأخذ البلد إلى حرب أهلية.
 
وقال: «في السياسة يلي بدق بوليد جنبلاط بدق فيي وبالرئيس برّي وحلفاء آخرين لجنبلاط من بينهم «القوات اللبنانية»، لافتاً إلى ان هذا الأمر اثبتناه في ما حصل بحادثة قبرشمون» ولاحقاً علمت «اللواء» من أوساط مقربة من بعبدا والتيار الوطني الحر استاءً من كلام الحريري.
 
عون في «بيت الدين»
 
وبحسب ما أعلن نائب الشوف فريد البستاني لـ«اللواء»، فإنه يراد ان تكون لفترة مكوث رئيس الجمهورية في المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية قيمة عملية، مشيراً إلى ان ما رافق انتقال عون إلى بيت الدين من تمزيق لافتات الترحيب به، هو عمل مُدان، من دون ان يستبعد ان يكون فردياً، خصوصاً وان الحزب التقدمي الاشتراكي سارع إلى استنكار هذا العمل من قبل «خفافيش الليل» على حدّ تعبير النائب الاشتراكي بلال العبد الله. كما ادان العمل الحزب الديمقراطي اللبناني، فيما بادر رئيس التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى الترحيب بالرئيس عون في تغريدة له عبر «تويتر».
 
ومن المقرّر ان يزور اليوم وفد من نواب «اللقاء الديمقراطي» والحزب التقدمي، برفقة كريمة جنبلاط داليا الرئيس عون للترحيب به في بيت الدين، علماً ان هناك معلومات تُشير إلى إمكان عقد لقاء بين عون وجنبلاط بعد عودة الأخير ونجله النائب تيمور من الخارج، من شأنه تكريس أجواء ما بعد مصارحة ومصالحة بعبدا، على الرغم من ان ما من رابط بين انتقال عون إلى بيت الدين وبين المصالحة، بحسب ما أوضحت مصادر نيابية في الشوف لـ«اللواء»، إذ ان قرار عون بالانتقال إلى المقر الصيفي كان متخذاً من قبل، لكن المصالحة يمكن ان تكون قد عبدت الطريق إلى «بيت الدين».
 
وفهم من المصادر نفسها ان هناك مسعى يعمل عليه من أجل ترتيب لقاء - عشاء للرئيس عون وعائلته في دارة جنبلاط في المختارة، كما درجت العادة لدى العائلة الجنبلاطية، لدى قيام رؤساء الجمهورية بزيارة بيت الدين، لكن المصادر نفسها لم تؤكد أو تجزم عمّا إذا كان هذا المسعى سيبصر النور.
 
في كل الأحوال، فإن مرحلة ما بعد المصالحة هي مرحلة العمل على الشقين المالي والاقتصادي بحسب ما أكّد الرئيس عون في دردشة مع الإعلاميين، لافتاً إلى ان الاتفاق على ورقة اقتصادية ومالية أمر مهم جداً، خصوصاً عشية تصنيف لبنان من قبل إحدى المؤسسات المالية الدولية في 23 آب (في إشارة إلى مؤسسة ستاندر اند بورز).
 
وقال انه مصمم على متابعة هذه الورقة وتنفيذها وجوباً والتزاماً كما ورد فيها، آملاً تعاون الجميع لوضعها موضع التنفيذ، لا سيما وأنها أقرّت بحضوري ورئيسي مجلسي النواب والحكومة، وإذا لم يكن في قدرة لهؤلاء تنفيذها فهذا يعني عدم وجود حكم.
 
وعن كلمته في ذكرى انتهاء حرب تموز مع العدو الإسرائيلي في العام 2006، قال: «اذا تكررت الحرب علينا سيتكرر الانتصار».
 
نصر الله
 
وفي ذكرى الانتصار التي تصادف في 14 آب من كل سنة، كانت للأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله مواقف مهمة، سواء حيال احتمالات الحرب مع الكيان الاسرائيلي، أو في الداخل، حيث أعلن، وفق ما كان متوقعاً، ترشيح الشيخ حسن عز الدين للمقعد الشيعي في دائرة صور، الذي شغر باستقالة النائب نواف الموسوي لأسباب عائلية، داعياً أهالي مدينة صور وقراها إلى المشاركة في الانتخابات الفرعية والتصويت لمرشح تحالف الحزب وحركة «أمل».
 
لكن اللافت في كلمة السيّد نصر الله، على الصعيد الداخلي، كانت اشارته إلى احداث الجبل، وان بطريقة غير مباشرة، حيث قال: «في الوقت الذي ندعو فيه إلى التعاون في مختلف الملفات، ولا نريد إلغاء أحد، نحن لا نقبل ان يقوم أحد بإلغاء أحد في بعض الطوائف أو المناطق، بل ندعو إلى احترام الاحجام التي أفرزتها نتائج الانتخابات النيابية»، في إشارة إيجابية إلى الحزب الاشتراكي، يفترض ان تُعزّز مساعي الرئيس نبيه برّي لإعادة العلاقات بين الحزبين، علماً ان أمين السر العام للحزب الاشتراكي ظافر ناصر، حضر المهرجان الذي أقامه الحزب في مربع الصمود في بنت جبيل، لمناسبة ذكرى الانتصار.
 
وفي شأن الصراع مع إسرائيل، أعلن السيّد نصر الله ان المقاومة استفادت من تجربة حرب تموز 2006 ووضعت نظاماً عسكرياً متطوراً للدفاع عن الأرض، ووجه رسالة لكل الالوية الإسرائيلية، محذراً من أنه «اذا دخلتم إلى ارضنا، فإن كل بقعة منها ستكون على شاكلة مربع النصر أكثر من 500 مرّة، حيث ستدمر فرق العدو ودباباته تحت شاشات التلفزة، وسيشاهد العالم البث المباشر لتدمير الفرق العسكرية الاسرائيلية».
 
ولفت إلى ان خوف العدو من شن حرب على لبنان لم يأت نتيجة خطابات وشعارات بل نتيجة عمل دؤوب منذ العام 1982 وإلى اليوم.
 
ونبّه الى أن «مشروع الحرب على لبنان عام 2006 كان من المفترض أن يؤدي لسحق المقاومة في لبنان وسحقها في فلسطين وإسقاط نظام الرئيس الأسد في سوريا وتثبيت الاحتلال الأميركي في العراق والقضاء على المقاومة هناك، إضافة لعزل إيران تمهيدًا لإسقاطها»، ولفت الى أن «حرب تموز 2006 توقفت لسبب واحد وهو إدارك الأميركي و«الإسرائيلي» بالفشل في تحقيق نتيجة في هذه الحرب وخوفهم من انقلاب السحر على الساحر».