العطل الرسمية التي تلاحقت خلال هذه الفترة، فرضت حالاً من الاسترخاء في الساحة الداخلية، هدأت معها المناكفات السياسية، واستُعيض عنها بما يشبه «إعلان نيات» حول مقاربة اولويات ما بعد مصالحة بعبدا، صاغته المواقف السياسية التي اجمعت كلها على اولوية المبادرة الجدّية من قبل السلطة الحاكمة، الى رسم خريطة طريق المعالجات الاقتصادية، بالتوازي مع اطلاق ورشة حكومية تعوّض ما فات على البلد، في مرحلة التعطيل والاشتباك السياسي اللذين اسقطا الانتاجية الحكومية الى ما دون الصفر.

سياسياً، يُنتظر مع عودة رئيس الحكومة سعد الحريري الى بيروت، ان تتوضح نتائج زيارته الى الولايات المتحدة الاميركية، واللقاءات التي اجراها مع المسؤولين الاميركيين وفي مقدمهم وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو.

وعلى الرغم من انّ امد اللقاء بين الحريري وبومبيو دام نصف ساعة، الّا انّ الداخل اللبناني واكبه بترقّب حول مواضيع البحث التي تناولها، علماً انّ الحريري حرص بعد اللقاء على الحديث عن ايجابيات، بالتوازي مع تأكيد علني من وزير الخارجية الاميركية على موقف بلاده ضمن السياق التقليدي العدائي ضد ايران و«حزب الله»، والداعم في الوقت نفسه لاستقرار لبنان وحكومته ومؤسساته الأمنية والعسكرية والمالية.

وحدّدت مصادر سياسية لـ«الجمهورية» ما وصفتها نتائج اولية، للقاء الحريري وبومبيو كما يلي: 

- دعم اميركي متجدّد للحكومة اللبنانية.

- تأكيد الموقف الاميركي في الحفاظ على استقرار لبنان.

- ثناء اميركي على مصرف لبنان وتنويه بسياسته. 

- ثناء اميركي على المؤسسة العسكرية، وتأكيد واشنطن دعم أمن لبنان ومد الجيش اللبناني بالمساعدات العسكرية (اشارة هنا الى انّ الجيش، تسلّم أمس، 150 آلية «هامفي» مدرّعة مقدّمة هبة من السلطات الأميركية، وذلك ضمن برنامج المساعدات الأميركية المخصصة للجيش اللبناني).

- تأكيد الرغبة الأميركية في التوصل الى حل بين لبنان واسرائيل في ما خصّ ملف الحدود البرية والبحرية، وكذلك التأكيد على استمرار واشنطن في لعب دور الوسيط بين الطرفين، الذي بدأه دايفيد ساترفيلد وسيكمله الوسيط الاميركي الجديد في ملف ترسيم الحدود دايفيد شينكر، توصلاً الى حل هذه المسألة بما يرضي الطرفين اللبناني والاسرائيلي. وان شينكر سيقوم بزيارة قريبة الى المنطقة.

- النظرة الاميركية عدائية بالكامل تجاه «حزب الله»، واتهامه انّه لا يخدم مصلحة لبنان، بل ينفذ سياسة ايران ومصالحها. ولكن من دون التصريح علناً عن عقوبات اميركية جديدة تطاله. مع الاشارة الى انّ كلاماً تردّد في موازاة الزيارة، اشار الى انّ الجانب الاميركي، عاد الى مطالبة الحكومة اللبنانية بفك الارتباط مع «حزب الله».

- تأكيد واشنطن على المنحى الضاغط على ايران، والمضي في فرض عقوبات قاسية عليها على خلفية سلوكها الذي يشكّل عامل تهديد دائم للاستقرار في المنطقة والعالم. 

- تأكيد واشنطن تعاطفها مع لبنان في ما خصّ ملف النازحين، ولكن من دون ان يقترن هذا التعاطف بإجراءات ملموسة تمكّن لبنان من الاستمرار في تحمّل عبء النازحين، كما لم تبدر اي اشارة الى رغبة اميركية بعودة هؤلاء النازحين في هذه الفترة.

الحريري
ولفت في كلام الحريري بعد لقائه بومبيو، تأكيده «اننا لا يمكننا أن نغيّر وجهة نظر الإدارة الأميركية في ما خصّ العقوبات»، واكمل قائلاً: «في رأيي لا تفيد بشيء».

كما شدّد الحريري على «التزام لبنان بالقرار 1701، وان اسرائيل لا تنفذ هذا القرار»، ومشدّدا في الوقت نفسه «اننا لن نكون «بوليس» لاسرائيل التي تخرق اجواءنا يومياً».

«القوات»
الى ذلك، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: «انّ القوات في موقع الداعم للرئيس سعد الحريري في مواقفه وخطواته وتحديدًا في زيارته الى الولايات المتحدة، لتأكيد الموقف اللبناني الرسمي وعلاقات لبنان مع المجتمع العربي والدولي، التي تشكّل مصلحة لبنانية اكيدة، خصوصاً انّ البعض يريد حشر لبنان ضمن محور ممانع لا يشبه لبنان ولا تاريخه».

واكّدت المصادر، «انّ زيارة الحريري تؤكّد انّ لبنان يشكّل جزءاً لا يتجزّأ من الشرعيتين الدولية والعربية، وهذه العلاقات تأتي لتؤكّد على متانة العلاقة بين واشنطن وبيروت، الامر الذي يصبّ في المصلحة اللبنانية الثابتة والاكيدة. فالزمن الذي كانت فيه دمشق تقرّر عن بيروت انتهى وولّى الى غير رجعة، اصبحت بيروت جزءاً لا يتجزّأ من المحور الدولي الذي يحرص على تمتين علاقاته مع لبنان، وبالتالي ترى القوات اللبنانية في زيارة الرئيس الحريري الى واشنطن انها تصبّ في المصلحة الوطنية اللبنانية السيادية الاستقلالية».

ورداً على كلام نصرالله، قالت المصادر، «انّ رئيسي الجمهورية والحكومة مطالبان بشدة بأن يحذرا من اي محاولة لتوريط لبنان بحروب لا ناقة للبنان فيها ولا جمل»، مؤكّدة انّ «اي حرب القرار فيها يعود الى الحكومة اللبنانية حصراً. ولا يحق لأي طرف سياسي ان يأخذ لبنان نحو حروب ومواجهات من دون توافق جميع اللبنانيين، فالمسألة على هذا المستوى مسألة محسومة والمصلحة اللبنانية الاكيدة هي مصلحة بتثبيت سياسة النأي بالنفس». 

ورأت «القوات»، «انّ المطلوب وبشدة في هذه المرحلة، الابتعاد عن سياسة المحاور وتأكيد حضور لبنان داخل الشرعيتين العربية والدولية، وترسيخ الاستقرار بالابتعاد عن لغة الاستفزاز السياسي، ومبادرة الحكومة للعودة بالوضع الاقتصادي الى شاطئ الأمان وتجنّب الخلافات السياسية والتباينات التي وضعت لبنان على حافة الهاوية».

 

نحاس
وقال النائب نقولا نحّاس لـ«الجمهورية»: إنّ «زيارة الرئيس الحريري الى واشنطن مهمّة وضرورية، ولكن لا يمكن الحكم مسبقاً على نتائجها قبل الاطلاع على تفاصيلها مع عودة الحريري الى لبنان». 

وشدّد على ضرورة قيام الحريري بهذه الزيارة، ليصبح على بينّة من مواقف الدول الكبرى تجاه لبنان، وتحديداً بالنسبة للدعم الاقتصادي ومسيرة الحكومة الاصلاحية ونظرة الغرب تجاه «حزب الله».. 

أمّا عن الوضع السياسي والاقتصادي فأشار نحّاس، الى أننا «ما زلنا في المربع الأول، لأنّ الاصلاحات الفعلية لم تبدأ بعد، خصوصاً أنّ الأفرقاء السياسيين يختلفون على التفاصيل الصغيرة فكيف الحال بالقضايا الكبيرة!».

ترميم
داخلياً، يبقى الرهان الاساس على صدق النيّات السياسية، وثمة اشارات مشجعة، تلمسها المراجع السياسية، تبدّت في بدء ترميم الواقع السياسي، الذي وضعت لبنته الاولى في مصالحة بعبدا، وستُتابع في الآتي من الايام، وانعكاسات هذا الترميم على الواقع الاقتصادي، سرعان ما تظهر، إن سلك الطريق السليم، والشرط الاول لذلك، هو ان تقرّر القوى المتناكفة ان تخرج فعلاً من خلف متاريسها، وتنتقل فعلاً لا قولاً، الى مدار البحث عن المشتركات في ما بينها، والتي من شأنها ان تقرّب المسافات نحو مقاربة فعّالة وناجعة وصادقة للاولويات الملحة في شتى المجالات.

حذر
ولأنّ التجربة اللبنانية غير مشجعة، مع قوى سياسية لا تجمع بينها رؤى موحّدة لواقع الازمة الداخلية، ولا لآثارها الآنية والمستقبلية على البلد، وعوّدت اللبنانيين على التنقل من اشتباك الى اشتباك، فإنّ الحذر الشديد يبقى سيّد الموقف على المستوى الشعبي، وتبرز الخشية بوضوح على ألسنة الناس، من الّا تكون الهدنة السياسية التي صاغتها مصالحة بعبدا، مصالحة مستدامة، بل مجرّد استراحة موقتة تشحن خلالها القوى السياسية ذخائرها تمهيداً للدخول من جديد في صراع جديد حول عنوان او ملف جديد. وخصوصاً انّ كل ممهدات مصالحة بعبدا، وباعتراف المعنيين بها، والوسطاء الذين اشتغلوا على خط التهدئة فيها، تؤكّد انّ المصالحة جرت على مضض، وفرضتها ظروف وأسباب اكبر من اطراف الاشتباك حول حادثة قبرشمون، سواء المباشرين وغير المباشرين، واحضرتهم جميعاً الى غرفة المصالحة.

وفي موازاة الكلام الرئاسي والرسمي والسياسي، المستمر في ضخّ مناخات تفاؤلية، حيال مرحلة ما بعد المصالحة، وخصوصاً على المستوى السياسي، الّا انّ الاختبار الصعب يتبدّى في الجانب الاقتصادي، الذي يحاط بهالة كثيفة من التشاؤم حيال مستقبله، على ما يؤكّد مرجع كبير لـ«الجمهورية».

نصيحة الخبراء
يتقاطع ذلك مع ما ينصح به الخبراء الاقتصاديون بإدراج الازمة الاقتصادية والمالية كبند وحيد في جدول اعمال المرحلة المقبلة، بالنظر الى الانحدار السلبي الذي تسلكه داخلياً، وكذلك بالنظر الى كرة التصنيف السلبي الذي تفيد كل المؤشرات حولها انّها ستتدحرج على الواقع اللبناني، من منصّة «ستاندرد اند بورز» بعد ايام قليلة، مع ما لها من تداعيات، تضع السلطة الحاكمة على محك القدرة على احتوائها، وتوجيه البوصلة الحكومية نحو المعالجات، حتى ولو كانت هذه المعالجات تتطلب عمليات جراحية قيصرية في مواضع الوجع، واستئصال الاورام الخبيثة من جسم الدولة الذي ينخره الفساد والاهتراء الاداري والامعان في اهدار المال العام. فهذه العمليات القيصرية لطالما انتظرها اللبنانيون، ولكن من دون ان تبادر السلطة الحاكمة اليها، وهي في هذه الفترة مطلب ملح للمؤسسات المالية الدولية، ومع ذلك ليس في الافق السياسي ما يؤشر الى انّ السلطة قد حسمت امرها في هذا الاتجاه.

عون
واللافت للانتباه في هذا المجال، انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي انتقل امس، الى المقرّ الرئاسي الصيفي في قصر بيت الدين، قد حدّد اولويته في المرحلة المقبلة، واعتبر في دردشة مع الاعلاميين في بيت الدين امس: «ان ما تحقق في الورقة الاقتصادية المالية التي أُقرّت في الاجتماع الاقتصادي الذي عُقد يوم الجمعة ما قبل الماضي في القصر الجمهوري في بعبدا، هو امر مهم جداً خصوصاً عشية تصنيف لبنان من قبل احدى المؤسسات المالية الدولية في 23 آب الجاري»، مؤكّداً تصميمه على «متابعة تنفيذ هذه الورقة»، ومعرباً عن امله «في ان يتعاون الجميع لوضعها موضع التنفيذ، لا سيما وانها أُقرّت في حضوري ورئيسي مجلسي النواب نبيه بري والوزراء سعد الحريري، واذا لم يستطع كل هؤلاء تنفيذها، فهذا يعني عدم وجود حكم».

وقالت مصادر قريبة من عون لـ«الجمهورية»، انّ عون ينتظر عودة الرئيس الحريري لعقد جلسة لمجلس الوزراء، تضع خريطة الطريق التنفيذية لما اتُفق عليه في اجتماع بعبدا الاقتصادي.

بري
والاولوية الاقتصادية، يؤكّد عليها الرئيس نبيه بري، الذي قال لـ«الجمهورية»: «أما وقد مرّ القطوع السياسي بسلام، وانتهى الى مصالحة بين القوى السياسية، فإنّ الاولوية القصوى في هذه المرحلة، هي تمرير القطوع الاقتصادي الصعب، بالحد الأعلى من المسؤولية ومن الجهد على كل المستويات، لإخراج البلد سليماً معافى من هذه الأزمة الخطيرة، وهذا الأمر يتطلب بالدرجة الأولى شراكة الجميع في ورشة الانقاذ الذي لا بدّ منها، بالتوازي مع المبادرة سريعاً الى اعلان حالة طوارئ اقتصادية واصلاحية، فكلنا في مركب واحد، ومسؤوليتنا، لا بل واجبنا ان ننقذه من الغرق».

ورداً على سؤال قال: «ان الاجتماع الاقتصادي الذي عُقد في القصر الجمهوري في حضور الرؤساء، رسم خريطة الطريق في اتجاه المعالجة، وبالتالي يُنتظر من الحكومة ان تبدأ في ترجمتها في القريب العاجل».

نصرالله
من جهة ثانية، وفيما اعتبر رئيس الجمهورية انّه اذا تكرّرت الحرب على لبنان سيتكرّر الإنتصار، وصف الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله هذا الموقف بأنّه «شجاع وقوي ويشكّل اساساً لفشل العدو في الحاق اي هزيمة بلبنان».

نصرالله الذي كان يتحدث في خطاب متلفز، القاه خلال مهرجان اقامه الحزب في بنت جبيل في ذكرى حرب تموز 2006، تحت عنوان «مهرجان الانتصار الكبير - نصر وكرامة»، تجنّب الحديث عن زيارة الحريري الى واشنطن، وقال: «المعادلة الذهبية، الجيش والشعب والمقاومة، هي التي صنعت الأمان والاستقرار في لبنان».

واشار الى «انّ العدو خائف من شن حرب على لبنان»، لافتاً الى انّ المقاومة وضعت نظاماً عسكرياً متطوراً للدفاع عن أرضنا»، وتوجّه الى كل «الألوية الإسرائيلية»، قائلا: «اذا دخلتم ارضنا فإن العالم كله سيرى بثاً مباشراً لتدمير الالوية والدبابات الاسرائيلية».

ولفت نصرالله الى «انّ الصهاينة ارادوا في حرب تموز إنهاء كل حالات المقاومة، لكن اليوم بات لدينا محور مقاومة ممتد من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن»، وقال: «هذا المحور هو لمنع الحروب لا لشنها. ومحور المقاومة اليوم يمنع اسرائيل من شن حرب على لبنان»، مضيفاً انّ «كلفة المقاومة أقل بكثير من كلفة الخضوع والمساومة والاستسلام، فبالمقاومة تبقى لك أرضك وكرامتك ونفطك وسيادتك وعرضك وشرفك، أما في المساومة يأخذون منك كل شيء كما يفعل ترامب بحلفائه».

وجدّد نصرالله قوله، «انّ الحرب على ايران يعني حرباً على كل محور المقاومة، ويعني انّ كل المنطقة ستشتعل»، مؤكّداً انّ هذه الرسالة قد وصلت الى حيث يجب ان تصل .

من جهة ثانية، لفت نصرالله الى «اننا لا نتصرّف من موقع المنتصر ونريد الغاء الآخرين. فهذه القراءات خاطئة ومجرد اوهام». وطالب «الآخرين» بـ«عدم الغاء من في طوائفهم ومناطقهم وعدم التكبّر عليهم والاعتراف بأحجامهم السياسية»، معلناً، انّ «حزب الله» من دعاة السلم والعيش المشترك.