المائة مرشح لانتخابات الرئاسة التونسية يجعلون من سباق الرئاسة التونسية ماراثوناً صعباً، وإن كان عدد المرشحين الجديين لا يتجاوز العشرات، بعد إبعاد من لم يستوفِ الشروط، خصوصاً بعد ظهور شخصيات جدلية في قائمة المتقدمين، خصوصاً من أصحاب الآراء والأفكار والانتماءات الجدلية، بعد أن تنوع المتقدمون بين الإسلامي والعلماني، والجامع بينهما، وحتى الفنانة الاستعراضية، وحتى من يجاهر بالدفاع عن المثليين في مجتمع شرقي، هذا كله سببه الديمقراطية، والقانون الانتخابي الذي يعطي الفرصة لأي مواطن بالتقدم للترشح، وإن كان ملفه سيرفض فيما بعد لعدم استيفاء الشروط، التي تتطلب تزكية 10 آلاف من الناخبين، والموزعين على الأقل على 10 دوائر انتخابية، أو تزكية 40 عميد بلدية، أو 10 نواب، الأمر الذي ليس بالسهل، ولكنه ليس بالمستحيل.

 


ظهور جماعة «الإخوان» التونسية، عبر حركة «النهضة»، بأكثر من مرشح رئاسي، وإن كانت ظاهرياً ورسمياً قررت ترشيح عبد الفتاح مورو لخوض انتخابات الرئاسة، ولكن يبقى حمادي الجبالي مرشحاً رئاسياً «إخوانياً»، وإن كان ليس باسم «النهضة»، رغم الانتماء إليها، وكان مرشحها لرئاسة الحكومة «الإخوانية» السابقة، قد يعكس حالة التشظي والانقسام والتخبط داخل الجماعة، خصوصاً بعد العقبات والمشكلات التي تواجه حركة «النهضة»، والاتهامات بوجود جهاز سري مسلح تابع لها، ما يضع مصداقية إيمانها بالديمقراطية والنتائج الانتخابية محل شك.

 


الانقسام داخل «النهضة الإخوانية»، عبر عنه القيادي في الحزب، رفيق عبد السلام، بالقول: «إن اختيار مرشح داخل (النهضة) خيار خاطئ، ولا يستجيب لمقتضيات المرحلة»، وهذا امتداد للخلاف المعلن بين الغنوشي ومورو حول الفصل بين الدور الدعوي والدور السياسي، وتبادلا الأدوار حول القضية ذاتها في مؤتمر «النهضة»، ليعلن مورو مخالفته للغنوشي في فصل التيار الدعوي عن السياسي بالقول: «إن حركة (النهضة) لن تغيّر جلدها، وهي باقية على مرجعيتها»، وإن كان مورو يسوق لنفسه بخطاب النأي بحركة «النهضة» عن جماعة «الإخوان المسلمين»، ولكن هذا الخطاب كثيراً ما استعملته قيادات «إخوانية»، بل إن بعضها أعلن عن استقالته من تنظيم جماعة «الإخوان» مثل المصري أبو الفتوح والليبي خالد المشري، الأمر المشكوك فيه، بسبب أبجديات الجماعة ومنهجها، التي يرتبط فيها عضو الجماعة ببيعة عهد وولاء وطاعة عمياء للمرشد، الأمر الذي في حال حلها أو إنقاضها من طرف العضو، تعتبر ردة عن الجماعة، التي تزعم أنها تمثل الإسلام، وبالتالي ستعتبرها ردة عن الدين «تبيح» دم صاحبها.

 


ولهذا يعتبر الأمر لا يخرج عن ازدواجية خطاب، وتلون، وتقية سياسية، حسب الظروف المحيطة، ولكن يبقى السؤال: كيف يمكن لحركة «النهضة» إقناع الشارع التونسي بمرشحها عبد الفتاح مورو رئيساً للجمهورية التونسية، ووصياً على إرث بورقيبه السياسي، وهو مزدوج الخطاب، وهو من استقبل بالأمس القريب الإرهابي وجدي غنيم، وسمح له بالخطبة والدعاء بعدة مساجد تونسية؛ وإن كان مورو اعتذر عن استقباله قديماً للقيادي «الإخواني» وجدي غنيم، بعد أن أطلق الأخير كلاماً مستفزاً للشارع التونسي بحق الرئيس الراحل، حين قال مغرداً: «هلك السبسي وبقي الإسلام»، وهل سيتخلى مورو عن البيعة للمرشد، إن استطاع الفوز برئاسة الجمهورية، وهل سيكون رئيساً لجميع التونسيين، أم سيكرر تجربة مرسي العياط مرشح «الإخوان» في مصر، الذي بقي رئيساً لجماعته، وليس لجميع المصريين، فلا يمكن تجاهل التجربة المصرية، وحركة «النهضة» تنهل من بئر جماعة «الإخوان» نفسها، مهما زعم قادتها فك الارتباط بها.

 


الحال هكذا، وحبل الود والطاعة، والتناغم وتبادل الأدوار، بين الغنوشي ومورو، فكيف للشارع التونسي القبول براشد الغنوشي رئيساً للبرلمان، وهو الذي تلاحقه أنات دول الجوار، بسبب محاولات التدخل في شؤونها، ومنها ليبيا التي تعاني من الفوضى والإرهاب الذي تتحمل مسؤوليته جماعة «الإخوان» ما يعكس حالة من التوجس والتخوف والقلق فيما لو استطاع كلاهما أو أحدهما الوصول إلى إحدى الرئاستين في تونس.
في اعتقادي تونس والشعب التونسي أكثر نضجاً سياسياً، وسيتغلب على أي محاولة خبيثة، لاستخدام الديمقراطية كعود كبريت يشتعل لمرة واحدة لصالح جماعة واحدة.