ما حدث في عدن كان دفاعا عن شرعية مفقودة. وهو ما سيكون على المجلس الانتقالي أن يدافع عنه في ظل تمكنه على الأرض ومن خلال استجابته لقدر الاختلاف.
 

ليس صحيحا القول إن ما حدث في عدن يُعد انقلابا على “الشرعية”. كان هناك مسعى لتصحيح أوضاع شاذة من أجل منع الانزلاق إلى متاهة جديدة من متاهات الصراع العبثي الذي تعيشه اليمن.

كان هناك خلط مقصود الهدف منه التهام المكتسبات التي تحققت عبر السنوات القليلة الماضية في عدن فكان “الدفاع عن الشرعية” بمثابة مكيدة للإخلال باستقرار المدينة التي صارت بعيدة عن آمال الحوثيين من خلال سيطرة المجلس الانتقالي.

وكما صار واضحا فإن “الشرعية” التي تتمتع بها حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي قد تم نقضها من قبل الحكومة نفسها حين امتنعت عن مباشرة مهماتها في عدن باعتبارها عاصمة مؤقتة.

قد لا يثق الرئيس عبدربه منصور، بسبب معتقداته المغلقة، بالمدينة التي كانت يوما ما عاصمة اليمن الجنوبي باعتباره دولة مستقلة ذات توجه يساري. غير أن ذلك وحده لا يكفي سببا لتخليه عن المدينة وعدم رغبته في أن يكون رئيسا يمنيا معترفا به دوليا من خلالها.

كان قيام المجلس الانتقالي الجنوبي ضرورة أملتها ظروف تاريخية معروفة غير أن موقف الرئيس عبدربه منصور وحكومته المناهض لحرية المدينة واستقلالها المؤقت قد دعم من أسباب تلك الضرورة التي ألقت بظلالها على الوضع وحمّلت المجلس الانتقالي مسؤولية إدارة الأوضاع في المدينة والدفاع عنها.

لذلك كان لا بدّ أن تكون “شرعية” الرئيس عبدربه منصور وحكومته محل شك وريبة بعد أن تبين أن مؤسسات تلك الشرعية كانت مخترقة من قبل حزب الإصلاح وهو واجهة الإخوان المسلمين.

بدلا من أن تتماهى الحكومة مع شرعيتها وتفرض وجودها على الأرض صارت تقود الحملات الإعلامية الموجهة ضد المجلس الانتقالي كما لو أنه عدوّ لها، والأدهى من ذلك أن جزءا من تلك الحملات كان موجها ضد التحالف العربي.

كان الاحتقان السياسي الذي قاد إلى الصدام العسكري مصنوعا من قبل “الشرعية” رغبة منها في أن تضع ما أنجزته دولة الإمارات العربية المتحدة موضع اختبار أمام العالم.

لخفة عقولهم وضحالة تجربتهم السياسية ظن أتباع “الشرعية” أنهم من خلال افتعال أحداث مجانية سيحدثون شرخا في التحالف العربي وبالأخص بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات. وهي محاولة ماكرة أفشلتها الرياض بالدعوة إلى الحوار على أراضيها. وهو حوار أتوقع أن الحكومة بزعامة الرئيس عبدربه منصور ستفقد الكثير من شرعيتها من خلاله.

ولو كان الشرعيون مخيرين لما ذهبوا إلى ذلك الاجتماع. ذلك لأنه سيضع على الطاولة ما خفي من حقيقتهم. وهي حقيقة تتعلق بمصير اليمن كله وليس بعدن وحدها.

تلك واحدة من أهم العقد التي استطاعت عدن عبر المجلس الانتقالي الجنوبي أن تتجاوزها من خلال الحد من تأثيرها. كان الجنوب يصنع مصيره بوضوح في مواجهة غموض الموقف السياسي والعسكري في الشمال.

كان ذلك الوضوح انتصارا لليمنيين المطالبين بالحرية كلهم وهو ما أغاظ جمهرة الداعين إلى استمرار الحرب إلى ما لا نهاية. وهو ما وضعت له حدا.

ما حدث في عدن كان دفاعا عن شرعية مفقودة. وهو ما سيكون على المجلس الانتقالي أن يدافع عنه في ظل تمكنه على الأرض ومن خلال استجابته لقدر الاختلاف. فإذا كان للشماليين مشكلاتهم المعقدة التي يجيدون التعامل معها، فليس من المعقول أن يُزجَّ بالجنوبيين فيها من غير أن يكونوا على صلة بها.

ليست هناك دعوة للانفصال في الوقت الحالي غير أن إصرار “الشرعية” على الضغط في اتجاهها قد يؤدي إليها. فعدن لا تزال تعتبر نفسها عاصمة لليمن الموحد. غير أن ذلك لا يروق للرئيس عبدربه منصور وهو ما لا يروق للإخوان ولا للحوثيين.

فهل ستطلق عدن الصيحة التي توقظ الآخرين من أحلامهم؟