وصدر الحكم الشرعي بضرورة حضور معظم الوزراء لاكتمال النصاب وإتمام الجلسة على خير ما يرام وكأن شيئا لم يكن !
 
سبحان مبدل الاحوال، فعلى العكس تماما مما حصل عام 2011 حين توجه رئيس الحكومة يومها سعد الحريري للقاء الرئيس الاميركي باراك اوباما في البيت الابيض، ولحظة اللقاء هناك في واشنطن، كان وزير الطاقة والمياه يومها يتلو بيان استقالة وزراء 8 اذار البالغ عددهم العشرة مع الوزير المتستر يومها عدنان السيد ليصبح العدد كاف لإسقاط الحكومة، السبب يومها كان المحكمة الدولية، ومن يقف خلف الإستقالات هو حزب الله  المتضرر الأول إنشائها.
 
اليوم، كان المتوقع أن تتم الزيارة الجديدة لرئيس الحكومة إلى واشنطن واجتماعه بالمسؤولين الاميركيين في ظل حكومة مشلولة لأكثر من أربعين يوما، وعلى قاب قوسين أو أدنى من انفراطها، إلا أن حزب الله عمل جاهدا هذه المرة للملمة شمل هذه الحكومة، وإصدار أوامر ليلية على عجل، وأبلغ بها كل أصحاب الرؤوس الحامية وأصحاب السقوف العالية بأن يجلسوا "صاغرين" في حضرة الرئيس  بري وصديقه وليد جنبلاط ، وصدر "الحكم الشرعي" بضرورة حضور معظم الوزراء لاكتمال النصاب واتمام الجلسة على خير ما يرام وكأن شيئا لم يكن ! 
 
ليذهب بعدها سعد الحريري إلى واشنطن، كرئيس حكومة بكامل أناقته و "ملو هدومو" على قولة إخواننا المصريين !! 
 
 
السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: ماذا عدا مما بدا ؟؟؟ وما الذي تغير؟ 
 
ببساطة، كان سعد الحريري يومها جزء من الصراع المفتوح في المنطقة، دم الشهيد رفيق الحريري كان لا يزال يشكل القضية المحورية لحركته السياسية، فيما كانت الادارة الاميركية يومها مشغولة بالمحادثات السرية مع ايران والوصول إلى اتفاق نووي معها كان هو الهاجس الأكبر أمام باراك اوباما، وكان الطرفان (الايراني والاميركي) على استعداد تام بنسف كل ما يمكن أن يعكر صفو الأجواء بينهما كل بحسب رؤيته وبحسب ما يخدم مصالحه وكان الطرفان مستعدان لإرضاء أحدهما الآخر والسير بمقتضيات ما يراه مناسبا .
 
سعد الحريري الذي كان يشكل يومها عامل إزعاج لحزب الله، لم يعد كذلك فلا المحكمة الدولية هي محل بحث، ولا سلاح حزب الله هو محل اهتمام، والأهم أن سعد الحريري بقي وحده دون باقي الافرقاء يمارس أقصى سياسة النأي بنفسه عن الصراع الاقليمي الدائر بين ايران من جهة والسعودية من جهة ثانية، وهذا يكفي لاحتلال موقع "الحليف د" غير المعلن للحزب ومحوره.
 
فإذا كانت زيارة الحريري هذه المرة الى اميركا، تهدف إلى محاولة إبعاد "لبنان" عن العقوبات الاميركية، ومحاولة إبعاد التصنيفات الاقتصادية السلبية  المتوقعة، ومحاولة إبعاد شبح الانهيار الوشيك للمالية العامة، وللقول مرة جديدة ومحاولة إقناع (ترامب هذه المرة) بأن حزب الله هو مكوّن لبناني ويتعهد الحريري مرة جديدة (مع ترامب هذه المرة) بلبننة الحزب، ويحاول إقناع  (بولتن وبومبيو هذه المرة) أن سلاح الحزب هو شأن لبناني ولا يستعمل بالداخل ... 
 
فاذا كان سعد الحريري يحمل كل هذه الاجندة التي لا يعرف غيرها ... فمرحبا مرحبا بهذه الزيارة .. ولتجتمع له الحكومة، ولتصمت لأجله كل المؤتمرات الصحفية لطلال ارسلان، ولتتجمد كرمى لعيون سعد كل مواكب جبران باسيل وزياراته الفتنوية على المناطق .