فصول كتاب منطق الخطاب: المركز والتابع...، للكاتب زهير محمود عبيدات، تقف على الخطاب الكولونيالي وتجسّداته على مستوى الدول والأمم وانتهاء بعلاقة الأفراد في ما بينهم.
 
أسهم السرد الروائي الغربي في دعم المشروع الاستعماري، المتمثل بهيمنة المركز على دول الأطراف، أو الجغرافيات التابعة، من خلال إنتاج خطاب ثقافي ينطوي على صور وتمثيلات متحيزة للمشروع.
 
وقد فصّل إدوارد سعيد ذلك في كتابه “الثقافة والإمبريالية”، الذي عرّف فيه السرد الإمبراطوري بأنه التخييل السردي الذي تورط في تعزيز الرؤية الإمبريالية للعالم، ولاسيما في سياق الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية، الذي كان محكوما بنسق أيديولوجي مضمر في بناء تصوراته عن الآخر، غير الأوروبي، الذي يعيش في الأطراف، على هامش الإمبراطوريتين؛ نسق يجد مرجعيته في استبطان مفاهيم المركزية الغربية، وتصوّراتها بشأن تفوّق ثقافة الغرب، ودونيّة الشعوب الأخرى وهامشيتها.
 
ومنذ صدور كتاب سعيد شرع العديد من النقاد والباحثين العرب في تقديم دراسات نقدية تفكك السرد الكولونيالي، وتحلل السرد المضاد له، أي السرد ما بعد الكولونيالي، بوصفه استراتيجية ثقافية مقاومة.
 
وفي هذا السياق يأتي كتاب “منطق الخطاب: المركز والتابع.. قراءة في السرد الكولونيالي” للباحث الأردني زهير محمود عبيدات، الصادر حديثا عن دار المعتز للنشر والتوزيع في عمّان.

ويضم الكتاب خمسة فصول كتبها عبيدات في فترات متباعدة ترتبط في ما بينها بمحاور مشتركة، فقد عبّرت عن بعض الأسئلة التي طرحتها الألفيّة الثالثة، وأفادت من المنهجين “السيميائيّ” و”الثقافيّ”؛ مركّزة على قراءة البنية وما تشير إليه من دلالات، وتمثّل هدفها في البحث عن “منطق” يحكم قواعد السرد، بمعنى البحث عن العقل الذي يوجّه استراتيجية السرد وقواعده وينظّم محتواه.

وكذلك تحليل مفهوم المركز، وما يدور في فلكه من تابع أو تابعين، لذا وقفت هذه الفصول على الخطاب الكولونيالي وتجسّداته على مستوى الدول والأمم وانتهاء بعلاقة الأفراد في ما بينهم، ذلك أنّ الكولونياليّة تقوم على ركنين هما “الهيمنة” و”التمثيل”، مما يفترض وجود سلطة بيد من يمارسهما على آخر تابع قد يكون دولة أو أمّة أو شعبا أو مجموعة بشريّة أو فردا.

ومن هنا بحث مؤلف الكتاب، من خلال الروايات التي اختارها، في علاقة دولة مستعمِرة بأخرى مستَعمرَة، أو في علاقة مجتمع بأقليّة، أو في علاقة رجل بامرأة.

وقد هدف عبيدات من هذه المقاربات إلى الكشف عن القواعد التي يقوم عليها الخطاب في مستواه البنائي الشكلي وفي مستواه الدلالي، ومن ثم الوقوف على “منطق” ما يحكم مسار الخطاب وهو يؤسّس أنساقه الثقافية، لذا كان مسوغا له أن يفيد من المنهجين: “السيميائيّ” و”الثقافيّ”، إدراكا منه أنّ القراءة السيميائيّة تفضي إلى استكناه الأنساق الثقافية المتوارية.

ومن جانب آخر عنيت الدراسات والبحوث التي احتواها الكتاب بمفهوم “الخطاب”، بمعنى الطريقة التي تُعرض بها الحكاية، وهو مفهوم يتّفق مع دلالة مفهوم “السرد”، فهما يركّزان على “النظام” الذي يسير عليه الخطاب أثناء عرضه الحكاية.

ومن هنا تحدّدت مهمة هذه الدراسات في الكشف عن منطق للخطاب أو النظام الذي يحكم مسار الخطاب، أي البحث عن الجانب العقلي الذي يقوم عليه هذا المنطق، ذلك أن في الفن والإبداع أساسا منطقيا عقليا.

يُذكر أن زهير عبيدات عميد كلية الآداب في الجامعة الهاشمية بالأردن، وسبق أن أصدر مجموعة كتب نقدية، منها “سلطة التاريخ: دراسات في الرواية العربية الحديثة”، “رواية الأجيال في السرد العربي الحديث”، و”صورة المدينة في الشعر العربي الحديث”.