يشعر حزب السيد حسن منذ الانتخابات النيابية الأخيرة أن المزاج الشعبي البقاعيّ قد تجاوز مرحلة التململ الى الغضب، وأن التمرد على التنظيم بسبب سياسته الفاشلة على مدار السنوات الماضية وتعامله مع المنطقة باعتبارها مجرد خزان للمقاتلين بات قريباً، وهذا ما كان استدعى ابتزاز البقاعيين قبيل الانتخابات بالأمن الشخصي للسيد فيما عرف يومها بحملة "طوعة" حين صرّح بأنه سيجول على البلدات البقاعية طلبا لأصوات المقترعين، أضف الى أن "ثورة الجياع" ضد حكومة الحريري الأب التي انطلقت في البقاع عام ١٩٩٧ وانتهت باغتيال النائب السابق الشيخ خضر طليس في حوزة عين بورضاي عام ١٩٩٨، ما زالت تشكل هاجسا لقيادة الحزب، وللسيد حسن شخصيا.
وخوفا من تكرار تلك التجربة يسعى التنظيم منذ فترة الى تكثيف جهوده التخديرية للبقاعيين إن بالمواعظ الدينية التي تدعو الى الصبر والجهاد، او بالوعود الانمائية الواهية، او بمحاولات التبرير والدفاع عن بعض القياديين المتهمين بالتورط في ملفات الفساد.

وفي هذا الاطار أرسل حزب السيد الى بعلبك منذ عدة أسابيع أحد المعممين الذين قلما يتركون مقرهم في الضاحية الجنوبية لبيروت هو الشيخ حسين الكوراني العائد من ايران حديثا حيث كان يتلقى العلاج من مرض عضال، وقد التقى الكوراني بالمتعاقدين والمتفرغين في الحزب وألقى فيهم خطابا دينيا اخلاقيا عن الصبر والجهاد والشهادة وتأدية التكليف وعن ضرورة الوقوف الى جانب القيادة الحكيمة الملهمة في هذه المرحلة الصعبة على وجه الخصوص.
لم يُخفِ كثير من الذين حضروا اللقاء استغرابهم من ارسال الكوراني المريض الى البقاع في هذا التوقيت ليلقي محاضرة عن الصبر والموت، فيما العمامات المفوّهة التابعة للحزب تنتشر من اقصى البقاع الى اقصاه، خصوصا أن الرجل خلال اللقاء لم يكن يقوى على الوقوف أو المشي الا بمساعدة مرافقين حضروا لهذا الغرض، وأن شخصيته فقدت بريقها عند البقاعيين مُذ أُلزم بالتوبة على خلفية تأييده للشيخ صبحي الطفيلي، ثم تفرغه لاحقا لنشر أفكار سطحية وتهجمه على مدرسة الراحل السيد محمد حسين فضل الله واتهامها بالوهابية المقنعة.

واليوم السبت عقد سيد الحزب لقاء خاصا عبر الشاشة مع عناصر التنظيم وقياداته العاملين في البقاع بحضور نواب المنطقة، وقد تركز الخطاب بعد مقدمات ومؤخرات مكررة على أمور ثلاث :
١- وعد بتشكيل مجلس شورى خاص بمنطقة البقاع مؤلف من ١٢ عضواً برئاسة الشيخ محمد يزبك ينوب عنه السيد ابراهيم أمين السيد، على ان يكون السيد هاشم صفي الدين عضوا مشاركا من خارج المنطقة. وتنحصر مهمة هذا المجلس في معالجة مشاكل البقاع والإشراف على المشاريع الانمائية فيه.
٢- أبدى تذمّرا شديدا من صفحات التواصل الاجتماعي التي تنتقد سياسة حزبه وتلقي الضوء على فساد بعض مسؤوليه، وهو -كعادته في تسخيف الحقائق- وضع الأمر في اطار الحرب الاعلامية على المقاومة، ولكن الجديد هذه المرة في حديثه عن وسائل التواصل هو دعوته الى الرد على ما وصفه بالحملات المشبوهة ضد تنظيمه وقياداته، ومواجهتها بكل صلابة وقوة.
ولم ينس تكرار السمفونية الممجوجة حول عدم ارتباط اجراءات الحزب في نقل بعض المسؤولين بفسادهم، كما كرر على مسامع الحاضرين رغبته منذ سنوات بترك الأمانة العامة، وتمنى لو يعود مسؤولا لمنطقة البقاع ويصلي في مساجدها.
٣- تحدث عن أن المرحلة المقبلة لن تكون سهلة بسبب اشتداد العقوبات الامريكية على الحزب بعدما فشلت الولايات المتحدة عسكريا في المنطقة على حد قوله وكرر معزوفة أن الحزب لا يمكنه أن ينوب عن الدولة.

كلام سيد الحزب بمعظمه مكرر غير ذي قيمة، ولكنه هذه المرة استبدل وعود الاصلاح بقرار فتح دكانة جديدة سماها مجلس شورى خاص بالبقاع سيكون رئيسه الفعلي وصاحب القرار فيه هاشم صفي الدين، باعتبار ان الشيخ يزبك مريض ويمضي معظم وقته في العلاج، وأن السيد ابراهيم امين السيد حاضر غائب مبعد عن القرار الحزبي منذ زمن، وهذا الاجراء يعني وضع منطقة البقاع تحت الوصاية المباشرة لصفي الدين بستار مجلس الشورى وتحويلها الى ما يشبه المنطقة الأمنية الحزبية المقفلة، وحبذا لو انه يبني لنا الجامعات والمستشفيات والمصانع بدلا من تشكيل مجالس للشورى.
أما في موضوع التواصل الاجتماعي فنطمئن السيد الى أن جماعته لا يحتاجون الى توجيه، فجيشه الالكتروني المنظم الذي يتقاضى رواتبه من الحزب مقابل التبليغ على صفحات المعارضين يؤدي مهامه على اكمل وجه، فيما ضباط الحرب الناعمة في حزبه متمرسون في فنون التخوين والسب والشتم والبذاءة وانتهاك الأعراض.
ولا يسعنا هنا الا أن نثمن جهود الناشطين الاحرار على وسائل التواصل ممن يزعجون السيد المصرّ على المكابرة وانكار الحقائق، ويتعرضون لأعتى الهجمات من ناشطي حزبه المأجورين.
اما فيما يخص المرحلة المقبلة، فلا نرى حاجة لتذكيرنا بصعوبة الوضع ليقيننا المسبق بأن طريق الاستكبار الذي ينتهجه هو وحزبه سيقودنا الى الهاوية.
كما نؤمن أن منصبه كأمين عام للحزب يعض عليه بنواجزه، وكنا نتمنى لو لم يلتحق السيد عباس الموسوي بقافلة الشهداء حتى لا يخلفه من حوّل المقاومة الى ما يشبه خلافة العباسيين، ونتمنى عليه رحمة بالبقاع ان يتركه للنسيان خصوصا انه بات بنظر معظم البقاعيين هو أساس المشكلة فيما وصلنا اليه، وما لم يعترف بهذه الحقيقة فلن يصل الى نتيجة.