يكره الصينيون كلمة «أنا». وعند الاضطرار، يستخدمون مكانها «نحن» الأكثر تواضعاً. لكن في الفرنسية والإنجليزية «نحن» أكثر تجبراً. وكانت تُستخدم في المراسيم والأوامر. وسوف أستخدمها بسياقها الصيني لأروي - أو نروي - ما يأتي. ففي بداية الثمانينات، ذهبت إلى الكويت للعمل في «الأنباء». وأخذت أعد - مع المخرج الفني - صيغة جديدة للجريدة. وكان من همومي التوفير؛ قللت عدد الصفحات، واختصرت الرياضة، وألغيت التسالي والكلمات المتقاطعة.
وفي المساء، وصل رئيس التحرير الراحل فيصل المرزوق وقد غابت الابتسامة عن وجهه لأول مرة في حياته، وقال لي مستهجناً: «يا معود، إيشفيك ع الكلمات المتقاطعة؟». وفي اليوم التالي، أصدرنا «الأنباء» وكان «التجديد» فيها مضاعفة شبكات الكلمات المتقاطعة، ومانشيت الصفحة الأولى عن فوز «الأزرق»، وأعدنا صفحات الرياضة إلى ما هي، قبل أن تتعرض الدار للهجوم.

 


وبين صدور العدد «الجديد» والعدد الطبيعي، انهالت على الدار عشرات المكالمات، خصوصاً من سيدات وربات بيوت: ماذا فعلتم بالكلمات المتقاطعة؟ وفي دفاعه المهذب المؤدب عن وجهة نظره، قال فيصل، رحمه الله: «خوي، الناس تبي تتسلى، مو كل الدنيا سياسة وأدب». أضخم الثروات تصنع اليوم في عالم التسلية والألعاب. فتيان في الرابعة عشرة يجنون ملايين الدولارات في لعبة واحدة. والمطبوعات التي تغلق بسبب السياسة، تؤمن استمراريتها من التسلية والترفيه، وتشغيل القدرات العقلية في مسائل لا علاقة لها بنقاش الموازنة اللبنانية. وإذا تكلمت الناس عن سياسي أكثر من آخر، فعن الأكثر تسلية. وقد تحدثت عن شعر، أو فروة، بوريس جونسون أكثر مما تحدثت عن فكره. والفروة، كما شرح الثعالبي، هي أكثر شعر الرأس. وقد احتار جونسون في فروته وفي شعفته (كل الرأس)؛ مرة يقص من الأمام، مرة مثل الغنم، دائرياً، وما زال علينا أن ننتظر القرار الأخير الذي سوف يتخذه حلاق 10 داوننغ ستريت في شأن الزبون الجديد.

 


الناس تريد أن تتسلى. وعندما اختصرت صفحات الرياضة في «الأنباء»، لم أكن قد قرأت أن ناشر أكبر مجموعة رياضية في أميركا تفوق ثروته أي ناشر سياسي أو اقتصادي. ودعوني أعتذر، مثل الصينيين، عن استخدام «الأنا»، فأقول إن «نحن» عندما نكتب بعيداً عن السياسة، نلاحظ أن نسبة «قراءتنا» ترتفع جداً. الناس تريد أن تتسلى. والصحف العالمية الأكثر جديّة، مثل «الغارديان»، تغري قراء السياسة بتخصيص نحو صفحتين لجميع أنواع التسالي. وكذلك تفعل «الفيغارو» الفرنسية. أما «الموند» التي لم تتعلم الابتسام حتى في «الكاريكاتور»، فـ«نحن» لم نعد نحرص على قراءتها كما من قبل. نريد أن نتسلى.