منذ عام، صرّح الرئيس دونالد ترامب أنه يرأس «طفرة اقتصادية ذات أبعاد تاريخية». يبدو اليوم أنّ في الأمر مبالغة لأنّ أرقام معدلات النمو، والتي تحتوي على مراجعات تبدأ منذ العام 2014 ، تشير الى أنّ النمو الذي شهده العام 2018 بدأ بالتلاشي، وعاد الى ما بعد فترة الإنهيار المالي في العام 2008 أي الى مستوى يزيد قليلاً عن 2 بالمئة.
 

قد تكون توجيهات ترامب منذ العام 2016 وعناوينه الداعية الى «أميركا أولاً» أثّرت قليلاً على النمو. الّا أنّ تطوّر الأحداث أعاد الاقتصاد الى التباطؤ في ظل أمور عدة قد تكون أهمها الحرب التجارية مع الصين .

هذا الأمر يبرهن أنّ الرئيس له تأثير في تحوّلات الإقتصاد الوطني بطرق تؤدي الى زيادات فورية ومستدامة في الناتج المحلي. ففي عهد رئاسة فرانلكين روزفلت، الذي تولّى الحكم وسط إنهيار مالي كامل عام 1933، تحوّل الناتج المحلي من 12,9 بالمئة سلبي عام 1932 الى 10,8 بالمئة ايجابي عام 1934. هذا الأمر يعني أنّه لا يهمّ من يكون في البيت الأبيض لتحفيز الإقتصاد، كما أنّ الناتج المحلي هو معيار غير كامل لرصد النجاح الإقتصادي.

لا شك أنّ الإقتصاد الأميركي يمرّ في مرحلة نمو مقبولة جداً، حيث أنّ معدّل البطالة تراجع بنسب عالية ليصل الى أدنى مستوياته هذه السنة. وقد تكون لسياسة ترامب الشأن المهم في هذا الوضع كونه رجل أعمال، واستطاع منذ أن بدأ عهده في خضم التباطؤ العالمي أن يصل بالإقتصاد الاميركي الى ذروة نموه في العام 2018 (3,2 بالمئة). اليوم الأرقام تقول عكس ذلك، علماً أنّ ترامب وعد بنمو قدره 3 بالمئة على الأقل. ورغم الحوافز الضريبية التقليدية، ارتفع الإنفاق بصرف النظر عن العجز في الميزانية، ومن دون أن تكون له علاقة بالإستثمار. لذلك، قد يكون ادّعاء ترامب بأنّ الإقتصاد الأميركي هو الآن أكبر من أي وقت مضى مبالغاً فيه نسبياً، وواقعية الحكم أنّ الإقتصاد الأميركي فعلاً في صحة جيدة لكنه كان، وفي فترات سابقة، أقوى بكثير. على سبيل المثال لا الحصر، في فترات 1950 و1960 كان نمو الناتج المحلي أكبر بكثير مما هو عليه الآن. كذلك شهدت مرحلة ما بعد الحرب نمواً اقتصادياً هائلاً خصوصاً في مجال التصنيع، بل أيضا في مجالات الزراعة والنقل والتجارة والتمويل والعقارات والتعدين. لذا قد تكون المؤشرات الحالية جيدة ولكنها ليست الأفضل على الاطلاق. إذاً، قد يكون كلام ترامب مبالغاً فيه بعض الشيء، وليس من الغريب القول إنّه يحاول استباق الأمور استعداداً للانتخابات الرئاسية الثانية تؤكّدها زهوة الاقتصاد في عهده. والسؤال المطروح الآن، هل انّ الفدرالي سيساعده في ربح هذه العملية كونه بدأ يستجيب لطلبات ترامب منذ البدء وهي خفض أسعار الفوائد. هذا ما ألمح اليه جيروم باول سابقاً، أذ أنه لم يستبعد خفض أسعار الفوائد في أيلول المقبل. وهذا دافع اقتصادي يحفّز النمو، كونه يساعد الى حد كبير في زيادة الانفاق المعيشي والاستثمار، وهما عاملان يشكّلان تحفيزاً كبيراً ويبعدان الأنظار عن الدولار الأميركي في الأسواق العالمية، ما يعني إنخفاض قيمته فيصبح الإقتصاد الأميركي أكثر منافسة في الأسواق العالمية.

هل يكسب ترامب حربه مع مجلس الاحتياط الفدرالي الذي كان مخططاً لرفع أسعار الفوائد بشكل مضطرد لهذا العام. وعزا بعض خبراء الاقتصاد خطوة الفدرالي الى أنّها قد تأتي نتيجة عوامل دفعت الأمور الى التطور بتلك الطريقة، وليست بسبب الضغوط التي مارسها ترامب على الفدرالي الأميركي.

من ناحية أخرى، قد يكون الفدرالي يحاول التحرّك في هذا الاتجاه كنتيجة لمستويات تضخم لا تزال غير كافية ودون المرجو. وهذا ما أكّده كيفن برغت الخبير الاقتصادي لتحليلات السياسة النقدية قائلاً: «سيكون له ما يريده، ولكن ليس بسبب الضغوط أنما لأنّ الأمور تطورت بشكل يدفع الى ذلك». والمؤكّد أنّ البنوك المركزية في كل أنحاء العالم بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية تكافح من أجل فهم سبب ضعف التضخم الذي ما برح دون المستويات المرجوة والذي قد يدفعها الى تخفيض المعدلات ولتجنّب الكساد الاقتصادي. وخفض معدلات الفائدة تعزّز منذ اجتماعات أيار الماضي، كذلك الحروب التجارية مع الصين والمحادثات مع أكبر شريك اقتصادي وهو أوروبا. أضف الى ذلك، وحسب المحللين، انّ الفدرالي يعطي أهمية كبرى واهتماماً كبيراً جداً للبورصة، وبرأي المحللين «ليس على الفدرالي أن يدفع صفراً، بل انه يدفع أكثر بكثير من الصفر، والرئيس مصرّ على هكذا موضوع وعلى أن يحلّه في أقرب وقت ممكن، لاسيما وأنّ الانتخابات الرئاسية على الأبواب».

ويبقى السؤال، هل يلجأ ترامب الى خلق حرب حول مضيق هرمز وزج الدول فيها من أجل أن يحافظ على شعبيته، متذرعاً بأنه يحارب «الشيطان الأكبر» ايران وسلاحها النووي، وتحركاته الأخيرة في هذا النحو لا تستبعد فكرة أن يلجأ الى أي شيء ليحافظ على ما ربحه خلال السنوات الثلاث الماضية. كما يُطرح السؤال نفسه حول استقلالية المصارف المركزية ومهمتها الأساسية، والتي هي الحفاظ على استقرار النظام المالي ووضع سياسات الاقتصاد الكلي.

لكن، على ما يبدو، تتحول الإدارة الأميركية الى نحو يزيد معه التدخّل في تغيّرات السياسات النقدية من أجل تحقيق مكاسب سياسية. وهذا ليس جديداً. وعلى سبيل المثال لا الحصر، الرئيس جونسون ضغط على الفدرالي لتمويل برنامجه الاجتماعي خلال سياسة التوسيع النقدي. كذلك جونسون ونيكسون اعتمدا على سياسات مجلس الاحتياطي الفدرالي لتمويل حرب فيتنام .

هذا كله يطرح علامات استفهام حول علاقة الموقع الرئاسي بالبنك المركزي وفي جميع أنحاء العالم.

وهكذا يكون وضع المركزي واستقلاليته تحت المجهر، مما يتطلب اعادة نظر، لأنّ التناغم أساسي من أجل انجاح السياسات الاقتصادية في الدول.