«منحوسة». كلمة تختصر آراءَ معظم المواكبين والمراقبين للإمتحانات الرسمية هذا العام من تربويّين، موظفين، وصحافيين، بدءاً من البلبلة التي أحدثها مشروعُ تركيب الكاميرات، مروراً بفضيحة المدارس غير الشرعية وحجب بطاقات الترشيح عن تلاميذها في البريفه، مروراً بالخطأ في نقل علامة مسابقة التاريخ لأحد المرشحين، ووضع 1/30 بدل 27/30، لتكون قنبلةُ الأخطاء مع إصدار علامات الدورة الاستثنائية لطلاب شهادة الثانوية العامة قرابة منتصف ليل أمس وسحبها نحو ربع ساعة بعد تبيّن خطأ في إحتساب العلامات، ليُعاد نشرُها بنسخة مغايرة، فيما أعصابُ التلامذة «بالأرض».
 

عبثاً حاول وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد ظهر أمس في الوزارة، «ترقيعَ» الخطأ الذي رافق صدورَ نتائج الامتحانات الرسمية لشهادة الثانوية العامة بفروعها الأربعة، والتخفيف من مرارة ما حصل، وما رافق ذلك من نقمةٍ في صفوف المرشحين الذين اكتشفوا أنهم رسبوا بعدما شاهدوا بأمّ العين نجاحَهم لدقائقَ معدودة.

في التفاصيل
«خطأٌ تقني»، «خطأٌ فنّي»، «قضيةُ إحصاء»... تعدّدت التوصيفات التي استخدمها شهيب قبل أن يعترف: «الخطأ وارد ونحن لا نتهرّب من المسؤولية»، فيما النتيجة واحدة، فقدت الامتحانات الرسمية شيئاً من هيبتها ومن ثقة اللبنانيين بها بعد توالي «الدعساتِ الناقصة».


أساسُ الخطأ إنطلق من كيفية إحتساب علامات مادة الفلسفة المعتمدة في الفروع الأربعة للشهادة الثانوية العامة والتي يختلف معدّلُها أو تثقيلُها (Coefficient) الخاص بها بحسب كل فرع. عادة تتضمّن مسابقةُ الفلسفة ثلاثة أسئلة يختار المرشح سؤالاً واحداً من بينها، يُحدَّد في خانة معيّنة، وتوضع العلامات في خاناتٍ مخصصة لها، ولكن وقعَ الخطأ في إحتساب البرنامج على الكمبيوتر لرقم السؤال مع علامات الأسئلة عند النشر. وبعدما تنبّهت اللجنة إلى هذا الخطأ في غضون دقائق من النشر، سُحبت النتائجُ عن الموقع وأُلغي احتسابُ خانة ترقيم السؤال، ثم أعيد نشر العلامات.


في هذا السياق، يُعطي شهيب مثلاً: «إذا اختار المرشح السؤال رقم واحد جرت إضافة علامة واحدة إلى رصيد مادة الفلسفة، باعتبار أنّ الخطأ الذي حصل في النشر ألزم جهازَ الكومبيوتر احتسابَ رقم السؤال مع علامة السؤال. وبالتالي فإذا اختار المرشح السؤال رقم إثنين تضاف علامتان إلى رصيده، وإذا اختار السؤال رقم 3 تضاف ثلاث علامات إلى رصيده». ويضيف: «عند إحتساب علامة الفلسفة بحسب فرع الشهادة ازدادت علامة هذه المادة وبالتالي ازداد المجموع. من 3 إلى 9 علامات بحسب اختيار السؤال»، معلّلاً وجود الخانة التي أحدثت كل هذا الخطأ إلى «أنّ القضية هي موضوعُ إحصاءٍ يتناول أيَّ سؤال تمّ اختيارُه من جانب المرشحين، وذلك لرصد خياراتهم من أجل الدراسة التحليلية للأسئلة عند تقييم الإمتحانات الرسمية».


ويؤكّد شهيب: «أنّ تصحيح المسابقات وإدخال العلامات إلى أجهزة الكومبيوتر تمّا بكل دقة ومن دون أخطاء، كما أنّ نقلَ العلامات عن لائحة المصحح الأول والمصحح الثاني والمدقّق قد تم بدقة ومن دون أخطاء. وبالتالي فإنّ النتائج الإلكترونية والورقية صحيحة ومطابقة 100% وهي بتصرّف مَن يريد». ويضيف: «كنا حرصاء منذ بداية الإمتحانات الرسمية على إجرائها بصورة شفافة ودقيقة، وبالتالي فإنّ تصحيح الخطأ مهما كان نوعه يصبّ في خانة إعتماد الشفافية قولاً وفعلاً»، مشيراً إلى أنه «اتصل بالمفتشة العامة التربوية فاتن جمعة وطلب منها إجراء التحقيقات اللازمة».

أبعدُ من الاستقالة
لم يكد شهيّب ينهي عبارته أمام الإعلام وأعضاء اللجان الفاحصة وموظفي الوزارة: «نحن نتحمّل كامل المسؤولية عن أعمال الموظفين، وقد تمّت محاسبة المسؤول عن هذا الخطأ، بقبول استقالته فوراً وطلب تعيين آخر مكانه»، حتى لمعت عيون الحاضرين، ودار ألفُ سؤال وسؤال، مَن سيخلف الموظف (ت.ك) الذي إستقال؟ تزاحمت الأسماء، تعددت السيناريوهات ما بين «الخلف جاهز من الجبل»، «ولفلان الأولوية»، و«علّان شهاداته تخوّله ومخضرَم أكثر»... إلّا أنّ هاجساً واحداً تردد في الكواليس، وهو أن تُراعي الوزارة في اخيارها التنوّع الطائفي والمذهبي، بصرف النظر عن إسم الشخص الجديد الذي سيتولّى المسؤولية أن يكون من طائفة الموظف الذي إستقال.


الأهالي: «ع شو مستعجلين؟»
وبينما كان شهّيب يحاول تبريدَ الأجواء في الطابق 11، كان بهو الوزارة يغلي بالطلاب المعتصمين وأهاليهم الذين عجزوا عن إستيعاب «الضرب» الذي حصل. فتشكو نغم من مدرسة رينه معوض، «فهمنا الخطأ حصل في مسابقة الفلسفة، لماذا بقية العلامات إختلفت؟ في المرة الأولى حصلتُ على سبيل المثال على 40 على اللغة العربية بعد ربع ساعة باتت 35!». تُقاطعها إحدى الأمهات مستغربة: «على شو مستعجلين يصدروا النتايج؟ مين راكض وراهن؟ وين الدقة؟ عيب والله»، فيما صرخ والد إحدى الطالبات: «أتى عيد الأضحى ليضحّوا بأولادنا!، لماذا الوزير لا يستقيل؟ في الخارج يُقدمون إستقالتهم لأبسط الأخطاء، كيف الحريّ خطأ على إمتداد طلاب الوطن!»، فضمّ المعتصمون صوتهم إلى صرخته.

رغم أنّ شهيب أكّد أنّ السجلّات الورقية والرقمية ستكون مُتاحة اليوم وغداًَ أمام المرشحين للإطلاع عليها والتأكد من شفافية العمل وصحة العلامات والنتائج بالتفصيل، إلّا أن لا اعترافَ شهيب بوقوع الخطأ بقوله: «حصل خطأ في نشر النتائج الإمتحانات، والخطأ وارد ونحن لا نتهرّب من المسؤولية»، ولا دعوتَه المرشحين ليطّلعوا على تفاصيل نتائجهم في الوزارة، ولا قبولَ الوزارة إستقالة الوظف المسؤول عمّا حدث، برّدت أعصاب التلاميذ وأهاليهم الذين أصرّوا على البقاء في الوزارة، لولا تدخّل أحد الأمنيين وإبلاغهم أنّ أبواب الوزارة ستقفل عليهم، فلملموا خيبتهم وغادروا بمرارة.

دورة ثالثة
إلى ذلك، حدّدت وزارة التربية 20 و21 و22 آب موعد امتحانات الدورة الاستثنائية الخاصة بطلاب الشهادة المتوسطة الذين حُرموا من الدورة الأولى نتيجة إنتسابهم إلى مدارس منها الوهمي أو التجاري أو غير المستوفي للشروط، على أن تُسلَّم بطاقات الترشيح في 16 و19 آب من دائرة الامتحانات الرسمية في الوزارة الطابق الأول.