ماذا بعد بيان السفارة الاميركية ؟
 
في الوقت الذي اعلن فيه الرئيس نبيه بري عن إطفاء محركاته  كان التصعيد مستمراً من نهر الكلب، حيث تواصل الخطاب العالي النبرة الذي يعكس مكابرةً، وذلك بعدما فضح الحزب التقدمي الاشتراكي أفعالهم والمكائد التي يحيكونها له في القضاء.
وقد برز الدخول الأميركي على خط التطورات في موقف لافتٍ رغم زحمة ملفات المنطقة التي تشغل الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي بات يعطي أبعاداً جديدة للأزمة السياسية.
 
وأمام تطور الاصطدام السياسي، وبعد مؤتمر الحزب التقدمي الأخير بات من المؤكد أن خيار المجلس العدلي قد سقط من حيث المبدأ. وبالتالي سقطت أولى فصول المؤامرة، وعليه فإنه بعد استشعار مخاطر المنزلقات الهدّامة للكيان التي يسلكها البلد في ظل تعثر العهد العوني وعجزه عن استنهاض الدولة، هناك معلومات عن تداعي ما يُعرف بـ مجموعة الحكماء التي تضم شخصيات رئاسية وسياسية وسيادية إلى عقد اجتماع موسّع خلال الأيام المقبلة لبحث التطورات وتحديد الموقف منها. وإذ من المعلوم أنّ هذه المجموعة تضم رؤساء حكومات سابقين كالرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام ووزراء ونواباً سابقين كبطرس حرب وأشرف ريفي وفارس سعيد، فإنّه وبمجرد شيوع نبأ اجتماع المجموعة تبادر إلى أذهان المتابعين السياديين المخضرمين اجتماع البريستول واضعين الاجتماع المرتقب في إطار تشكيل نواة بريستول جديد تؤسس لمرحلة جديدة في المشهد الوطني .
 
 
عندما تعطّل الحكومة نفسها والبلد في أمس الحاجة إلى دورها استعداداً لمواجهة تطورات سلبية على المستوى المالي، لا يمكنُ لأحدٍ تحديد مدى انعكاسه السلبي على لبنان واللبنانيين والأضرار البالغة التي يمكن أن يُلحقها بالبلد وناسه . 
 
وعندما ينظر المجتمع الدولي إلى لبنان كدولة تسير نحو الهاوية، دولة بلا استراتيجية، منقسمة، يتنازعها تعطيل المؤسسات، وتتقاذفها الإنقسامات والإرتجال في السياسات، وتحكمها العصبيات والفئويات، ويتهدّدها انكماش اقتصادي وتصنيف ائتماني سلبي،
عندما يترابط هذا الكم من الملفات والالتهاء عن الاولويات، من حادثة قبرشمون والكباش على المجلس العدلي، والمحكمة العسكرية، إلى المادة 80 في الموازنة، ثم تفسير المادة 95 من الدستور، إلى إخراج أرنب الإحصاءات الطائفية والمذهبية لأعداد اللبنانيين، إلى تحريك المخيمات، والنفايات،وغيرها .
 
عندما يتشابك هذا الكم من التعطيل، وتقاذف المسؤوليات ومعارك الصلاحيات، وانتهاء شهر عسل التسوية، لتتحوّل خللاً في التوازنات الداخلية يعكس الى حد بعيد النزاع على موازين القوى في منطقة الشرق الاوسط،
عندما يتوجّس حزب الله من قيام تحالف سياسي داخلي قد يتماهى مع تشديد العقوبات الأميركية عليه وعلى إيران، ويمارس التيّار الوطني الحرّ ومعه الحزب، سياسة الضغط الأقصى على الرئيس سعد الحريري والوزير السابق وليد جنبلاط، ويراهنان على أنّ الحريري سيتراجع كما تراجع عن الوزير السنّي السادس عند تشكيل الحكومة، وأنّ جنبلاط سيتراجع كما تراجع عن الوزير الدرزي الثالث.
 
وعندما يضرب الرئيس نبيه بري أخماساً بأسداس، لِما يراه من جنون سياسي قد يقود الى انتحار وطني، متسائلاً لماذا كل هذا التوتير والتأزيم فيما الوضع المالي والاقتصادي اليوم هو تحت مجهر المراقبة الدولية، وما هي الإشارات والرسائل التي نبعث بها إلى الخارج في هذا الظرف الحسّاس الذي لم يعرف لبنان له مثيلاً؟
وعندما لا يصدّق موفدو البنك الدولي ومؤسسات التصنيف العالمية والدول المانحة ما يفعله اللبنانيون بوطنهم، وفي لقاء حصل الاسبوع الماضي في بيروت بين ممثلي هيئة دولية ومسؤولين لبنانيين معنيين، طُرحت اسئلة مفصلية ومُحرجة ومُقلقة عن أرقام الأزمة المالية التي اصبحنا نغرق فيها كمن يغرق في رمال متحرّكة، وعن مدى استعداد لبنان وقدرته للقيام بتضحيات لتجاوزها.
 
 وتمنّى الجانب اللبناني على ممثلي الهيئة الدولية عدم الكشف عن مضمون المحادثات تجنباً لأي خضّة قبيل صدور تقرير ستاندر أند بورز، في 23 آب الجاري، عن التصنيف الجديد للبنان.
 
بعد كل هذا المشهد، هل يمكن أن نراهن على مستقبل وعلى إنقاذ؟
قد تكشف التحقيقات وجود كمين للوزير صالح الغريب، أو نجاة الوزير جبران باسيل من كمين، وقد لا تكشف، لكن الأكيد أنّ هناك كميناً للدولة واغتيالاً للوطن.