في المحصلة، يدرك حزب الله الآن بأن اللعب مع وليد جنبلاط له حسابات مختلفة تماما عن باقي الأطراف، وأن رأس وليد جنبلاط ثمنه ليس أقل من هدم الهيكل فوق كل الرؤوس.
 
أن تأخذ قضية معمل الاسمنت في عين دارة، حيزا لا بأس به من وقت مقابلة الامين العام لحزب الله مع الاعلامي عماد مرمل، هذا يعني ان اهتماما إستثنائا ومساحة واسعة من التفكير استحوذت على عقل وذهن وتخطيط قيادة الحزب، وهذا ما بدا واضحا من خلال السرد الذي قدمه الامين العام للموضوع والتفاصيل الصغيرة التي رواها وصولا حتى إلى الاعلان عن الشعور بالندم المخلوط بالغيظ بسبب تخلي الحزب عن وزارة الصناعة ! والاعتراف مرة جديدة بأنه "لو كان يعلم" أن وزيرالصناعة  الاشتراكي وائل أبو فاعور "سيتجرأ على قرار إقفال المعمل لتمسك السيد بالوزارة ولما تخلى عنها !!! 
 
هذه المقاربة لقضية المعمل، وحجم الإنزعاج "الشخصي" الكبير من اداء وليد جنبلاط، تلقفها وزير الخارجية بكل سرور، معتبرا أنها الفرصة المؤاتية لتقديم نفسه ب "السيف القاطع" الذي يحزّ رأس كل من تسوّل له نفسه "إزعاج السيد"، على أمل أن يكون ثمن "فش خلق السيد" والهجوم على زعيم الجبل هو "وعد صادق" منه بخلافة العم.
 
الخطة المرسومة كانت تقضي من جبران بسيناريو بسيط وإخراج سلس على الشكل التالي : تحريض وإثارة من خلال نبش الماضي (البعيد والقريب) - زيارة استفزازية (بالشكل والمضمون) – مشكل – دم – مجلس عدلي – تركيع وليد جنبلاط وسوق رأسه ورأس حزبه ووضعه امام والي الحارة – الفوز بوعد ملك الري (بعبدا). 
 
 
لم تجر رياح الأحداث، كما تشتهيه سفن جبران، واستطاع وليد جنبلاط قلب الطاولة رأسا على عقب، ولم يكتف بالدفاع عن نفسه وعن حزبه وعن موقعه التاريخي، بل عمل بإتقان وخبرة عقود بالعمل السياسي وغير السياسي تقول بأن أفضل وجوه الدفاع هي الهجوم 
فصارت حادثة البساتين بمأساتها ودمائها ومن ألفها إلى يائها على عاتق جبران باسيل حصرا، بدون زج حزب الله، إنكشاف اللعب بالقضاء والقضاة وتعرية رجالات قصر بعبدا، تخبط بين "المستهدفين" بالكمين المزعوم وإظهارهم بموقع السخفاء والمتاجرين بلعب دور الضحية واستثمار الدماء، تصدع صورة رئيس الجمهورية وكشفه أمام الرأي العام بوصفه طرفا بلعبة صهره القذرة، عودة زعامة المختارة كزعامة أحادية في العقار الدرزي، شدّ عصب 14 اذار من جديد بعد طول سبات، تعطل جلسات الحكومة، واهم من كل هذا وذاك هو اخذ سياقات الأمور إلى ربطها بالحدث الاقليمي وببعده الدولي ما استدعى تدخل السفارة الاميركية في بيروت وعودة الملف اللبناني بقوة على طاولة البيت الابيض بعد طول غياب.
 
أعتقد جازما أن حزب الله لم يكن بوارد وصول الامور إلى هذا الحد، وهو بغنى عن كل هذه التشظيات غير المحسوبة بالخصوص في هذه اللحظة الحساسة وما يعانيه من اختناق وتشدد حبل العقوبات حول عنقه، وما يجري من تطورات كبرى في المنطقة ليس أقلها اجتماع الأمس في البحرين وما يمثل من خطوة عملانية في سياق انشاء التحالف الدولي المزمع انشاؤه تحت مسمى حماية الممرات البحرية.
 
في المحصلة، يدرك حزب الله الآن بأن اللعب مع وليد جنبلاط له حسابات مختلفة تماما عن باقي الاطراف، وان رأس وليد جنبلاط ثمنه ليس أقل من هدم الهيكل فوق كل الرؤوس، فإذا كان توصيف حال من دخل مدخلا لا يعرف الخروج منه بالصعود على الشجرة، فيمكن القول بأن حزب الله صعد فوق اشجار "البساتين"، ويعمل جاهدا للنزول عنها قبل فوات الاوان .