عندما تعطّل الحكومة نفسها والبلد في ذروة الحاجة إلى استنفارها استعداداً لمواجهة «تسونامي» مالي، لا يمكنُ لأحدٍ تحديد مدى اجتياحه لبنان واللبنانيين والأضرار البالغة التي يمكن أن يُلحقها بشعب، خطأه الكبير انّه منح ثقته لطبقة سياسية لا حدود لشهوة غالبيتها، ولا حياء من لا حدود عجزها وممارساتها،


عندما يجرؤ وزير على صرف 75 مليون دولار على شراء مبنى من مال الشعب، وإذا احتسبنا الفوائد على الـ 75 مليوناً في عشر سنوات، يصل المبلغ إلى نحو 300 مليون دولار، فيما يستميت حاكم المصرف المركزي للإستدانة من الخارج بفوائد مرتفعة لتجنّب، أو على الاقل تأخير، سقوط الهيكل على رؤوس اللبنانيين،

وعندما ينظر المجتمع الدولي إلى لبنان كدولة تائهة على طريق الإنحدار، دولة بلا استراتيجية، منقسمة، يتنازعها تعطيل المؤسسات، وتتقاذفها الإنقسامات والإرتجال في السياسات، وتحكمها العصبيات والفئويات، ويتهدّدها انكماش اقتصادي وتصنيف ائتماني سلبي،

عندما يترابط هذا الكم من الملفات والالتهاء عن الاولويات، من حادثة قبرشمون والكباش على المجلس العدلي، والمحكمة العسكرية، إلى المادة 80 في الموازنة، ثم تفسير المادة 95 من الدستور، إلى إخراج «أرنب الإحصاءات» الطائفية والمذهبية لأعداد اللبنانيين، إلى تحريك المخيمات، والنفايات،
عندما يتشابك هذا الكم من التعطيل، وتقاذف المسؤوليات ومعارك الصلاحيات، وانتهاء شهر عسل التسوية، لتتحوّل خللاً في التوازنات الداخلية يعكس الى حد بعيد النزاع على موازين القوى في منطقة الشرق الاوسط،

عندما يتوجّس «حزب الله» من قيام تحالف سياسي داخلي قد يتماهى مع تشديد العقوبات الأميركية عليه وعلى إيران، ويمارس «التيّار الوطني الحرّ» ومعه الحزب، سياسة «الضغط الأقصى» على الرئيس سعد الحريري والوزير السابق وليد جنبلاط، ويراهنان على أنّ الحريري سيتراجع كما تراجع عن الوزير السنّي السادس عند تشكيل الحكومة، وأنّ جنبلاط سيتراجع كما تراجع عن الوزير الدرزي الثالث، فيما ترى «القوات اللبنانية» ان لا مصلحة لأحد، وخاصة «حزب الله»، لتغيير «الستاتيكو» الحالي، وبالتالي تفجير الوضع اللبناني في ظل وضع إقليمي متفجّر.

 

وعندما يضرب الرئيس نبيه بري أخماساً بأسداس، لِما يراه من جنون سياسي قد يقود الى انتحار وطني، متسائلاً لماذا كل هذا التوتير والتأزيم فيما الوضع المالي والاقتصادي اليوم هو تحت مجهر المراقبة الدولية، وما هي الإشارات والرسائل التي نبعث بها إلى الخارج في هذا الظرف الحسّاس الذي لم يعرف لبنان له مثيلاً؟

وعندما لا يصدّق موفدو البنك الدولي ومؤسسات التصنيف العالمية والدول المانحة ما يفعله اللبنانيون بوطنهم، وفي لقاء حصل الاسبوع الماضي في بيروت بين ممثلي هيئة دولية ومسؤولين لبنانيين معنيين، طُرحت اسئلة مفصلية ومُحرجة ومُقلقة عن أرقام الأزمة المالية التي اصبحنا نغرق فيها كمن يغرق في رمال متحرّكة، وعن مدى استعداد لبنان وقدرته للقيام بتضحيات لتجاوزها. وتمنّى الجانب اللبناني على ممثلي الهيئة الدولية عدم الكشف عن مضمون المحادثات تجنباً لأي خضّة قبيل صدور تقرير «ستاندر أند بورز»، في 23 آب الجاري، عن التصنيف الجديد للبنان.

بعد كل هذا المشهد، هل يمكن أن نراهن على مستقبل وعلى إنقاذ؟

قد تكشف التحقيقات وجود كمين للوزير صالح الغريب، أو نجاة الوزير جبران باسيل من كمين، وقد لا تكشف، لكن الأكيد أنّ هناك كميناً للدولة واغتيالاً للوطن.