موسكو تدفع باتجاه توسيع دائرة الخلاف التركي مع أوروبا والناتو.
 
يراهن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على توسيع دائرة الخلاف بين تركيا وحلفائها التقليديين سواء الاتحاد الأوروبي كعمق اقتصادي أو حلف الأطلسي كعمق عسكري، وهو ما يرهن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو التي باتت تسحبه بشكل سريع إلى صفها ليكون ورقة في صراعها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة.
 
ويسعى بوتين إلى إنجاح هذا التكتيك الروسي، الذي يضع كأولوية له توسيع الانشقاق التركي عن التحالفات الغربية التقليدية إلى أبعد مدى، من خلال إطلاق مواقف داعمة لأردوغان في قلب الأزمات التي تحيط به من كل ناحية، وآخرها التصعيد في الساحل الشرقي للمتوسط ومحاولة أنقرة التنقيب بالقوة عن الغاز والنفط لتجد نفسها في مواجهة مباشرة مع اليونان والاتحاد الأوروبي، فضلا عن قبرص ومصر وإسرائيل.
 
وبادرت موسكو إلى إعلان دعمها لحق تركيا في التنقيب في موقف مثير خاصة أنه يناقض الحلف غير المعلن للأرثوذكسية الشرقية بين روسيا واليونان.
 
وقالت مصادر دبلوماسية في موسكو إن موقف ألكسندر نوفاك، وزير الطاقة الروسي، الداعم للأنشطة التركية في مجال التنقيب عن الطاقة في شرقي المتوسط، يعدّ تحوّلا استراتيجيا لافتا في كيفية مقاربة بوتين لمستقبل علاقاته مع تركيا ولو على حساب اليونان الحليف الأرثوذكسي.

وأبدت روسيا استعدادها لمرافقة تركيا في التنقيب عن مصادر الطاقة التقليدية في المياه الإقليمية، الواقعة شرق البحر المتوسط.

وذكر وزير الطاقة الروسي أن شركات بلاده مستعدة للتعاون مع تركيا في مجال الطاقة شرقي البحر المتوسط. وجاءت تصريحات نوفاك على هامش اجتماع الـ16 للّجنة الاقتصادية المشتركة بين تركيا وروسيا والذي جرى الشهر الماضي في ولاية أنطاليا جنوبي تركيا.

وأكد نوفاك أن شركات بلاده تنفذ مشاريع ناجحة في مجال الطاقة، شرقي البحر المتوسط، معربا عن استعدادها للتعاون هناك مع تركيا في هذا المجال.

واعتبر مراقبون أن الموقف الروسي جاء مفاجئا لليونان التي لطالما ارتبطت بموسكو، خصوصا في عهد بوتين، برباط أرثوذكسي يمثل العلاقة التاريخية داخل الكنيسة الأرثوذكسية الواحدة في روسيا واليونان.

وتعود العلاقات القوية إلى ظروف تاريخية قديمة، لكن ما زادها متانة انتماء غالبية الروس كما غالبية اليونانيين إلى المسيحية الأرثوذكسية. أما العوامل الفعلية لقوة العلاقات فقديمة أبزرها الدعم الذي قدمته روسيا إلى اليونان كما إلى دول بلقانية عدة لمواجهة اعتداءات واحتلال السلطنة العثمانية خصوصا في القرن التاسع عشر.

وفيما أفصحت أثينا سابقا عن مواقف حريصة على الحفاظ على مصالح روسيا ورؤاها واعتبرت طرفا مدافعا عن حسن العلاقة مع روسيا وبوتين من داخل الاتحاد الأوروبي، فإن موقف وزير الطاقة يرمي شكوكا حول الطابع الأرثوذكسي لعلاقة بوتين باليونان ويجعل الجانب السياسي الاستراتيجي غالبا على ذلك الديني في نظرة بوتين إلى اليونان.

ويعتبر الموقف الروسي تدخلا واضحا في السجال الذي اندلع بين تركيا والاتحاد الأوروبي حول أنشطة التنقيب التي تقودها تركيا في المنطقة.

وتعارض كلّ من قبرص الرومية واليونان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومصر وإسرائيل، أعمال تركيا في التنقيب عن الغاز الطبيعي في المتوسط. فيما أكدت وزارة الخارجية التركية، في بيانات عدة، أن سفنها تنقب في الجرف القاري للبلاد، وستواصل نشاطها.

ويعول بوتين كثيرا على دعم تركيا لدفعها للابتعاد بشكل نهائي واستراتيجي عن علاقاتها الأطلسية التاريخية القديمة.

ويرى خبراء في الشؤون الروسية أن الرئيس الروسي يتطلع إلى توفير الدعم السياسي لتركيا وجعلها مشكلة استراتيجية حقيقية بالنسبة للاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي.

ويقول هؤلاء إن تقييم موسكو الجديد للمشهد في أوروبا أفضى إلى أن لموسكو مصالح في تعزيز علاقاتها مع تركيا أقوى بكثير من تلك التي كانت تعوّل عليها مع اليونان داخل الاتحاد الأوروبي.

وتترقب تركيا نتائج أعمال التنقيب عن الغاز الطبيعي شرقي المتوسط، حيث أرسلت مؤخرا سفينتين متخصصتين لهذه المهمة؛ “فاتح” و”ياووز”؛ وذلك في إطار تعاون وتنسيق مع جمهورية شمال قبرص التركية.

ويربط محللون ما بين موقف بوتين في شأن طموحات تركيا في مجال الطاقة في شرقي المتوسط وبين تفاهمات يسعى إليها مع أردوغان في سوريا لاسيما في منطقة إدلب.

ويضيف هؤلاء أن موافقة العواصم الكبرى لأي تسوية تتعلق بسوريا بما في ذلك تمويل إعادة الإعمار بات يحتاج إلى تعديل موازين القوى الدولية في كل المنطقة، وأن دعم روسيا لتركيا في مجال الطاقة يوسع من نفوذ روسيا ويعيد توزيع المشهد الدولي في المنطقة.